وأنت نَبْعٌ والملوك خِرْوع يقول العكبري في شرح هذا البيت: النبع شجر يتخذ منه القسي، والخروع: نبت ضعيف، وكل ضعيف لين فهو خروع وخريع. والمعنى : يقول: أنت أقوى الملوك بأساً وعدداً، وهم بالقياس إليك ضعفاء، كالخروع في الأشجار، وضرب النبع والخروع مثلاً. ويقول الدمياطي (1965م): نبع : شجر من أشجار الجبال. وقال أبو حنيفة: شجر أصفر اللون رزين ثقيل في اليد، وإذا تقادم احمرّ، يعد للقسي تتخذ منه واسمه العلمي grewia populifolia. والخروع: نبت معروف لا يُرعى. قيل: سمي الخروع لرخاوته. واسمه العلمي ricinus communis، وفي الإنجليزية نبات زيت الخروع. وهو يستخدم مسهلاً: وفي لسان العرب: الخرع، بالتحريك، والخراعة: الرخاوة في الشيء، ومنه قيل لهذه الشجرة: الخروع لرخاوته، وقيل: الخروع: كل نبت قصيف ريان من شجر أو عشب، وكل ضعيف رخو خرع وخريع. والنبع: شجر من أشجار الجبال تتخذ منه القسي. وقال مرة: النبع شجر أصفر العود رزين ثقيل في اليد، إذا تقادم احمر، قال: وكل القسي إذا ضمت إلى قوس النبع كرمتها قوس النبع لأنها أجمع القسي للأزرواللين، يعنى بالأزر الشدة قال: ولا يكون العود كريماً حتى يكون كذلك، ومن أغصانه تتخذ السهام. المبرد : النبع والشوحط والشريان شجرة واحدة، ولكنها تختلف أسماؤها لاختلاف منابتها، وتكرم على ذلك، فما كان منها في قلة الجبل فهو نبع. وما كان في سفحه فهو الشريان، وما كان في الحضيض فهو الشوحط، والنبع لا نار فيه، ولذلك يضرب به المثل فيقال: لو اقتدح فلان بالنبع لأورى ناراً، إذا وصف بجودة الرأي والحذق بالأمور. لقد استخدم شاعرنا الفذ في بيته هذا الفرق بين نباتين يختلفان بالشدة والصلابة والضعف والرخاوة والاستخدام، فسيف الدولة ملك من الملوك، ولكنه بالنسبة لغيره من الملوك كنبت النبع في قوته وصلابته ومنفعته، أما غيره من الملوك فهم كنبت الخروع في الضعف واللين..! وقال المتنبي في قصيدة قالها عندما أحضر ابن العميد مجمرة محشوة بالنرجس والآس، والدخان يخرج من خلال ذلك: ونشرٌ من الند لكنما مجامره الآس والنرجسُ يقول العكبري في شرح هذا البيت: الند: هو ضرب من الطيب ليس هو بعربي. والآس: نبت معروف، وكذلك النرجس وهما طيبا الرائحة. والمجامر: جمع مجمرة، وهي ما يوضع عليه البخور. والمعنى: يقول: هذا النشر، وهو الرائحة من الند إلا أن مجامره الآس والنرجس، وليسا بمعروفين أن يخرج منهما الدخان. ويقول الدمياطي (1965م) :آس: بالمد شجرة معروفة قال أبو حنيفة: الآس بأرض العرب كثير، ينبت في السهل والجبل، وخضرته دائماً وأبداً، وينمو حتى يكون شجراً عظاماً، الواحدة، آسة. وقال ابن دريد: الآس لهذا المشموم أحسبه دخيلاً غير أن العرب قد تكلمت به وجاء في الشعر الفصيح «هو معروف في مصر بالمرسين». واسمه العلمي MYRTUS COMMUNIA. وفي الإنجليزية العطر الشائع. والنرجس: بالكسر من الرياحين، وهو ثلاثة أنواع، والاسم العلمي لأحدها هو :narcissus pseudo narcissus. والند: طيب معروف، وهو ضرب من الطيب يدخن به. وقال أبو عمرو بن العلاء: يقال للعنبر الند، وللبقم العندم، وللمسك الفتيق. لقد ذكر الشاعر في بيته السابق نبتين معروفين بحسن الرائحة، فممدوح الشاعر عندما أحضر الند إلى مجلسه لطيب رائحته، فكأنه وضعه في مجمرة في نباتي الآس والنرجس، فأصبحت رائحة الند وكأنها مشمولة بثلاث روائح عبقة، رائحة الند، ورائحة نبات النرجس، ورائحة نبات الآس. وقال الشاعر في قصيدة يشكر بها عبيدالله بن خلكان: لو كنت عَصْراً منبتاً زهراً كنت الربيع وكانت الورْدا يقول العكبري عن هذا البيت: العصر: الدهر، والجمع عصور. والعصران: الليل والنهار. والمعنى: يقول: لو كنت دهراً ينبت زهراً، والأزهار جمع زهر، وهو ما ينبته الربيع من الأنوار، لكنت دهر الربيع ينبت الزهر، وكانت أخلاقك الورد. فجعله أفضل وقت ، وجعل أخلاقه أفضل زهر ونور، لأن الورد أشرف الأزهار وأطيبها ريحاً. من المعروف أن أفضل فصول السنة الربيع، حيث تنموبه النباتات وتزهر وتتشبع رطوبة الجو بروائح الزهور والورود، ولذا فالشاعر وصف ممدوحه بأنه لو كان عصراً دهراً لكان الربيع، وأخلاقه أفضل الزهور والنور والورود. وقد ورد في لسان العرب لابن منظور أن الزهرة نور كل نبات، والجمع زهر، وخص بعضهم به الأبيض، وزهر النبت نَوْره، وكذلك الزهرة. قال: والزهرة البياض. والورد لون أحمر يضرب إلى صفرة حسنة في كل شيء. وقال أبو الطيب في قصيدة قالها وقد ساير ابن طغج، وهو لا يدري أين يريد؟ حتى دخل ضيعة له: حتى دخلنا جنة لو أن ساكنها مخلَّد خضراء حمراء الت راب كأنها في خد أغيد يقول العكبري في شرح البيت الأول:هي الضيعة تشبه الجنة لطيبها وخصبها وكثرة مائها، لو كان ساكنها مخلداً!. ويقول العكبري عن البيت الآخر: الأغيد: الناعم. والمعنى: قال الواحدي: شبة خضرة نباتها الضيعة على حمرة ترابها بخضرة الشارب على الخد المورد، والغيد لا ينبئ عن الحمرة، لكنه أراد أغيد مورد الخد، حيث شبه الخضرة على الحمرة بما في خده. ورد في لسان العرب أن الجنة الحديقة ذات الشجر والنخل، وجمعها جنان، وفيها تخصص، ويقال للنخل وغيرها. وقال أبو علي في التذكرة: لا تكون الجنة في كلام العرب إلا وفيها نخل وعنب، فإن لم يكن فيها ذلك وكانت ذات شجر فهي حديقة وليست بجنة. لقد شبه أبو الطيب في بيته الثاني خضرة نبات ضيعة ممدوحه على حمرة ترابها بخضرة الشارب حديث الطلوع على الخد المورد، وهنا فقط ربط الشاعر بين خضرة ونمو النبات وبين نوعية التربة، حيث ان نوع التربة وتركيبها ولونها له علاقة وثيقة وأساسية بنمو النبات وجودته ونضرته. يقول أبو الفتح (1411ه1991م): تغطي التربة الجزء الأعلى من قشرة الأرض، وتختلف اختلافاً كبيراً من مكان لآخر بحيث تتناسب مع العوامل الفيزيائية، والكيمائية، والبيولوجية الاحيائية للمكان الذي توجد فيه. وكل نوع من أنواع التربة يتميز بمواصفات خاصة من حيث اللون، والقوام، والتركيب، والبنية الطبيعية، والمكونات الكيميائية. ويعبر لون التربة عن محتوياتها من المواد العضوية والمعدنية. فاللون الأحمر والأصفر يدل على وجود أكاسيد الحديد والتهوية والصرف الجيد، واللون الرمادي يدل على قلة التهوية وكثرة الماء، واللون الأسود يدل على وجود قدر كبير من المادة العضوية والنيتروجين. د. عبدالرحمن الهواري