السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد.. هذه الرسالة ابعثها لكل قارىء حصيف وابدأها كما يلي: أيها القارىء الكريم: اليك هذه النصيحة القيمة التي اهداها الامام الحافظ ابو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي رحمه الله الى ابنه ابي القاسم حينما رأى منه نوعا من التواني عن الجد في طلب العلم، فكتب له هذه النصيحة يحثه بها على طلب العلم والالتجاء الى الله سبحانه وسماها «لفتة الكبد الى نصيحة الولد» وقد جاء فيها: اعلم يا بني وفقك الله للصواب انه لم يتميز الآدمي بالعقل الا ليعمل بمقتضاه، فاستحضر عقلك، واعمل فكرك، واخل بنفسك، تعلم بالدليل انك مخلوق مكلف، وان عليك فرائض انت مطالب بها وان الملكين يحصيان ألفاظك ونظراتك وان انفاس الحي خطاه الى اجله اللبث في الدنيا قليل، والحبس في القبور طويل، والعذاب على موافقة الهوى وبيل، فأين لذة امس؟ رحلت وابقت ندما، واين شهوة النفس، كم نكست رأسا وازلت قدما، وما سعد من سعد إلا بخلاف هواه، ولا شقي من شقي إلا بإيثار دنياه، فاعتبر بمن مضى من الملوك والزهاد اين لذة هؤلاء واين تعب أولئك؟ بقي الثواب الجزيل والذكر الجميل للصالحين، والقالة القبيحة والعقاب الوبيل للعاصيين، وكأنه ما جاع من جاع ولا شبع من شبع، والكسل عن الفضائل بئس الرفيق، وحب الراحة يورث من الندم ما يربي على كل لذة فانتبه واتعب لنفسك. واعلم ان اداء الفرائض واجتناب المحارم لازم، فمتى تعدى الانسان فالنار النار. ثم اعلم ان طلب الفضائل نهاية مراد المجتهدين ثم الفضائل تتفاوت فمن الناس من يرى الفضائل الزهد في الدنيا، ومنهم من يراها التشاغل بالتعبد، وعلى الحقيقة فليست الفضائل الكاملة إلا الجمع بين العلم والعمل، فاذا حصلا رفعا صاحبهما الى تحقيق معرفة الخالق سبحانه وتعالى، وحركاه الى محبته وخشيته والشوق إليه فتلك الغاية المقصودة، وعلى قدر اهل العزم تأتي العزائم وليس كل مريد مرادا ولا كل طالب واجد، ولكن على العبد الاجتهاد وكل ميسر لما خلق، والله المستعان. مالك ناصر درار