في آخر لقاء صحافي للأمير فهد بن سلمان بمجلة «مدينة الرياض» كنت قد سألته سؤالاً مباشراً: معروف عنكم عدم حبكم للأضواء الإعلامية.. لماذا؟ فأجاب يرحمه الله بأن الإعلام لا يحبه.. واليوم بعد أسابيع من غيابه عنا، ونحن لا نزال نرى ونشاهد ونسمع الذكر الطيب والسيرة الحسنة في كل وسائل الإعلام والحب الذي يكنه لسموه هذا الشعب بكل فئاته وشرائحه، وهذا الوطن بكل مدنه ومناطقه.. فهد بن سلمان كان مخلصاً، أميناً، صادقاً.. ومحباً للخير.. وهكذا هم أبناء وطنه يكنون له كل الخير والحب. لقد تشرفت بإجراء هذا اللقاء مع الأمير فهد بن سلمان والذي رحب به لحبه للمجلة ومتابعته لها، ولطبيعة الأسئلة التي وضعناها لسموه.. وقد فاجأني ترحيبه المباشر بذلك اللقاء عبر اتصال هاتفي، ورغبته في أن أتلقى الاجابات مباشرة من سموه عبر الهاتف.. وقضيت حوالي نصف ساعة من أمتع الأوقات مع سموه في اللقاء الأول، ثم تكررت اتصالات أخرى وهو يجيب على أسئلة المجلة.. ويعطي معلومات معينة عن أسباب اختياره لهذه الاجابة على غيرها وخلفيات لبعض الجوانب التي أراد سموه ربما تثقيفي شخصياً في بعض الأمور.. وتم تداول اجابات الأمير فهد بيننا في هيئة الاشراف والتحرير وسعدنا بتجاوب سموه، ثم عدنا اليه يرحمه الله بطلبين كلفني بهما سمو الأمير عبد العزيز بن محمد بن عياف آل مقرن المشرف العام على المجلة، وطلب مني أن أستأذن سموه في امكانية الاشارة الى موقف أمانة مدينة الرياض من الملحق العلوي الذي بناه فوق منزل سموه، ثم أمر صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أن يتأكد من نظامية هذا الملحق والا عليه بازالته.. وهذا ما حدث فعلاً. وعدنا إلى الأمير فهد وأفادنا بذلك وكان مفتخراً بأن وجهه والده بذلك وسعيدا بأن قام بتنفيذ هذا الأمر وتقيده بالنظام أسوة بكل ملاك المنازل في مدينة الرياض. أما الطلب الثاني فقد كان استئذان سموه في أن نرفق مع هذا اللقاء الصحافي صوراً شخصية لسموه، بما في ذلك بعض الصور القديمة التي لم تنشر في الصحافة.. وقد لبى الأمير فهد هذه الدعوة وأرسل لنا مجموعة صور متميزة نشرناها مع اللقاء. ومما أسعدنا وأحزننا في نفس الوقت نحن في مجلة «مدينة الرياض» أن كان هذا اللقاء هو اللقاء الأخير لسمو الأمير فهد، وقد كان من أكثر الموضوعات تداولاً في الأوساط الصحافية والاعلامية، حيث نشرت المقابلة، أو أجزاء رئيسية منها، وكذلك تم نشر الصور الخاصة التي حصلنا عليها في هذه المقابلة.. أحياناً بذكر المصدر، وأحياناً كثيرة بدون ذكر للمصدر. وقد كان لقاء الأمير فهد يرن في أذني قبل وفاته رحمه الله، فقد كنت في واشنطن هذا الصيف وأنا أجول في هذه المدينة التي كنت في النادر أتوجه اليها أثناء دراساتي العليا في الولاياتالمتحدة، ولكن هذه المرة اردت أن أتوقف في مكتبة الكونجرس الأمريكي، حيث كان سمو الأمير فهد أشار في احدى اجاباته لنا بأن المكتبة التي يرتادها ويتمنى عادة التردد عليها هي مكتبة الكونجرس التي تحتوي على كل كتب العالم.. وأنا أدخل هذه المكتبة في زيارتي لها كنت فعلاً أتذكر كلام الأمير، فهي معقل علمي/ ثقافي/ تعليمي ضخم جداً.. وتحمل كافة أوعية النشر الورقية والالكترونية.. وهذا ما قصده الأمير فهد عندما كان يتمنى فعلاً أن تحذو مكتبة الملك عبد العزيز ومكتبة الملك فهد حذو هذه المكتبة وغيرها من المكتبات.. وكان الأمير فهد قد ذكر لنا أنه يتردد على هاتين المكتبتين بشكل خاص في الرياض، ولكنه آثر أن يشير الى مكتبة الكونجرس كنموذج نقتدي به في مثل هذا التطور الالكتروني الهائل. ومما نستكشفه في تحليل اللقاء الذي أجريناه مع سمو الأمير فهد هو حبه واخلاصه لمواطني شعبه، وفي هذا الخصوص أورد النقاط التالية التي تؤكد دون أن نحتاج الى تأكيد حرص سموه على الافراد من ذوي الاحتياجات العامة: يدعو سموه الناس لمحبة بعضهم البعض والابتعاد عن النميمة والسماح عن الزلات.. طلب سموه من أمانات المدن ان تطبق المنح المتأخرة للمواطنين. طلب سموه تخفيض الضرائب الجمركية التي قد تثقل كاهل المستهلك. طلب سموه فتح الحدائق أمام الناس وازالة أي شبك أو جدران حولها، حتى يمكن أن تخدم الناس.. وكأن سموه يرى أن تكون الحدائق لكل الناس بدون أن تكون هناك رسوم عليها لدخولها والاستمتاع بها.. فهي حق عام لا ينبغي أن نحرم منه من لا يستطيع دخولها. ولابد أن أشير هنا الى أن الأمير فهد كان من أشد المعجبين بوالده، وهذا ظاهر في حديثه لنا، فقد حاول أن يلخص شخصية والده في خمس كلمات، فقال عن الأمير سلمان انه «حازم، عطوف، كريم، متسامح ودقيق»، وهذه كلمات مختصرة معبرة فعلاً عن شخصية الأمير سلمان الذي عرفناه.. وبعد مراجعة الاجابات، عاد لنا الأمير فهد يرحمه الله وأضاف كلمة أخرى سادسة وجد أنها تعطي معادلة متوازنة لشخصية سلمان، فقال اضيفوا كلمة «عادل»، فوالدي حازم ولكنه عادل في نفس الوقت.. وأضفنا الكلمة السادسة في توازنات شخصية الأمير سلمان كما يراها ابنه وكما نعرفها نحن. أما الأمنية التي يتمناها الأمير فهد يرحمه الله فهي قد كانت على شكل مشروع لمدينة الرياض.. فقد قال في المقابلة ان «الرياض تحتاج الى بحيرة» أو ان الرياض تنقصها بحيرة، ولكنه اردف في اجابة أخرى الى أنه عاكف على وضع اللمسات لمشروع هذه البحيرة، وطلب مني عدم ذكر ذلك تفصيلاً ولكنه أرادني فقط أن أشير الى أن هذا المشروع هو بحيرة نقية صافية لمدينة الرياض. وختاماً، هناك وقفة أمام كل كلمة قالها الأمير فهد في لقائنا معه قبل رحيله، ولكننا لا نستطيع ذلك.. وكلماته باقية مؤثرة ومخلصة سواء ما قاله لنا، أو ما نشر وبث في المصادر الاعلامية الأخرى.. وتظل لنا وقفة أخيرة في لقاء الأمير فهد في مجلة «مدينة الرياض».. وهذه المرة للشعر، فقد سألناه عن بيت شعر يردده مع نفسه، فقال لنا: لا خاب ظنك في الرفيق الموالي ما لك مشاريه على باقي الناس وربما أن المعنى الدفين لهذا البيت هو في الشفافية التي كان يمتلكها الأمير والأحاسيس المرهفة تجاه الناس والآخرين.. فقد كان سموه يريد أن نكون أصدقاء دائماً مخلصين لبعضنا البعض مساندين أحدنا للآخر.. ولكن تظل هناك شفافية خاصة تجاه شخص من الناس قريب من الأقارب، صديق من الأصدقاء.. نختبر فيه الوفاء الذي بين الناس، والحب الذي يعبق في دواخلنا، والخير الذي يعم كل الأمكنة.. فالمعنى البعيد لهذا البيت هو أن العتب الذي نوجهه لأقرب الأقربين وأصدق الأصدقين هو مشاعر مفعمة بالحب نختار لها أشخاصاً معينين، ولكننا نتمناها مع كل الناس ولكل الناس.