وإذ يكون زمام الأمور في يد غير المسلمين، وإذ تكون الدول المستكبرة الغالبة في حالة خوف وترقب من الضحية، لا تترك أية فرصة للوقيعة، وتفريق الكلمة، وتحويل المسلمين إلى شيع وطوائف، يضرب بعضهم رقاب بعض. فإن من أوجب واجبات النخب الفكرية والعلمية والأدبية ان تفهم هذه الأوضاع المتردية التي تتطلب مواجهتها تقديراً وتوقيتاً ووعياً وإمكانيات للخلوص من هذه المزالق والمآزق. وعلى القادرين تجاوز هذه المحن بأقصى قدر من التعاذر، سعياً وراء تضميد الجراح، ورأب الصدع، والبحث عن المساحات المشتركة. إن هناك دعوة للخير، وهناك دفعاً للشر. وكلتاهما بحاجة إلى إمكانيات مادية ومعنوية وكفاءات بشرية، قد لا تتأتى لكل متطوع، وحين لاتكون (الدعوة) و (الدفع) في المستوى المطلوب، تقع الأمة في التنازع، ويؤول أمرها إلى الفشل وذهاب الريح، وبالتالي تختل وحدتها الفكرية، وعندها تقع الأمة فيما حذر منه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض). والرسول الرحمة، لم يستجب لقتل المنافقين الذين أعلن القرآن كفرهم بعد استهزائهم بالله وآياته ورسوله، وفضح القرآن لهم بعد مجيئهم يحلفون ما قالوا ما نقله زيد - رضي الله عنه - عنهم. والحماس الزائد من العامة يحتاج إلى حكيم يزن الأمور ويهدئ الاندفاع، وكم نسمع من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقول له عند أدنى مخالفة: دعني أضرب عنقه، ثم لا يجد من رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحيم بأمته، والذي قال عنه ربه (بالمؤمنين رؤوف ورحيم) موافقة على ذلك، ونحن نشاهد اليوم من يود ضرب أعناق المخالفين، وما ذلك من هدي الإسلام والمتحمس مأجور إن شاء الله. والتسييس الثوري للإسلام، والولاء الطائفي، أو الحزبي، أو الفكري المتعصب، يزج الأدب في أتون الأدلجة المتناحرة، ويؤدي هذا التوظيف التعسفي إلى الدخول في الفتنة وتفريق الكلمة، وهذا التوظيف لا يختلف عن إجهاض الكلمة بالتغامض أو إفسادها بالفجور، وعندما تكون الكلمة (غالية) أو (مجهضة) أو (فاسدة) تفقد الأمة قوة الكلمة، والأمة من قبل فاقدة لقوة السلاح. إننا مطالبون بالتوازن، والكلمة كالسلاح عمار أو دمار. والحديث عن (الاتجاه الإسلامي في الشعر المعاصر) من خلال تجلياته بعد وعي الواقع، وأخذ الحذر، وإعداد العدة، يتطلب منا توطئة أكناف العنوان، وتحرير مفرداته التي تندرج تحتها عدة مصطلحات هي: - (اتجاه) و (إسلام) و (شعر) و (معاصرة) و (تجلي) و (تحفظ). وهي مصطلحات تسلم في النهاية إلى فعل إجرائي. هو القول الشعري ذو المضمون الإسلامي، وفق أطر زمانية ومكانية وحضارية متصورة سلفاً. والمتتبع للمشهد الثقافي العربي وما يصطرع فيه من تصورات وآراء، يجد أنه من الصعوبة بمكان الاستقرار على مفهوم جامع مانع، يحسم الخلاف المستعر بين الفرقاء، وما هم من منطلقات فكرية، وتصورات ذهنية، ومرجعيات معرفية، وتأويلات مذهبية. ولكيلا تخدرنا العواطف، ويخدعنا التطلع إلى المآخاة بين المتناقضات، فإننا بحاجة إلى تحديد المرجعية ونظرة التلقي، التي لا مناص منها لمن أراد الخلاص، والمرجعية ونظرية التلقي تنحصران في : (النص) و (العقل)، فالرد إلى الله والرسول والتفكير المستنير بنور الله هما الشرعة والمنهج الأقدر على مواجهة النوازل، وتحديات المواقف، والتلقي لابد أن يكون كما هو عند السلف الصالح. والمتفلتون من سيطرة النص وضوابط التفكير وأسلوب التلقي يقعون في المحاذير، وتتخطفهم السبل المضلة عن منهج الله وشرعه، ومن ظواهر العصر التسيب والتمييع، وتحويل الفكر إلى (فن الممكن) كما السياسة، وكأن الناس لا يريدون ضابطاً يأخذ بحجزهم، ولا مانعاً يحد من اندفاعهم ، فكل من قال كلمة الكفر في قصيدة أو رواية أو قصة مستهزئاً بالله وآياته ورسوله، أو مدنساً للمقدس، أو راداً لما علم من الدين بالضرورة، أو مقترفا لنواقض الإيمان، أو منتهكاً للحرمات معترفاً بالخطيئة مشيعاً للفاحشة، يرى أن من حقه ذلك، فهو باسم حرية القول يمتلك مشروعية الفعل التي يباركها الفارغون. و (النص) و (العقل) مناطا التكليف قال تعالى: - {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}. {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} وفي الحديث: - {رفع القلم عن ثلاثة: -النائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق، والصغير حتى يبلغ}. والثلاثة يعيشون حالة غياب للعقل، والنص يمنع الكلمة الخبيثة، ويدعو للقول السديد، ويذم التناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول. ولأن الأسلمة لسائر شؤون الحياة بما فيها الأدب إبداعاً ونقدا، تضع الضوابط، وتأطر على الحق، فإن المستغربين يعدون مثل ذلك معوقاً للإبداع ومثبطاً للعزمات وسبحات الفكر. و (الاتجاه الإسلامي في الشعر) من معطيات (الأدب الإسلامي)، وحين طرح هذا المصطلح المشروع بكل المقاييس، قام حوله جدل عنيف، لم يقم مثله إزاء أي مصطلح آخر، مع العلم أنه مصطلح دلالي، والأدب اليوم يتجه كلية صوب (الأدلجة)، محولاً الفن لخدمة العقيدة والحياة، والماركسيون حين تفلت من إسارهم (الشكلانيون الروس) طرحوا مشروع (البنيوية التكوينية) لتكون الدلالة كما يريد الماركسيون، ولم يتحفظ الحداثيون على البعد الدلالي الماركسي تحفظهم على البعد الدلالي الإسلامي، وما فعله الإسلاميون حق مشروع، لأن من حق الإسلام أن يهيمن، ومن واجب المسلمين ان يدخلوا في الدين كافة، وليس من مقتضيات ذلك التطرف أو التخلف. وما من ناقد تحفظ على شيء تحفظه على مقتضيات هذا المصطلح، على الرغم من مشروعيته، كما أن كافة المشتغلين بالأدب: إبداعاً وتنظيراً لا يخفاهم ما وقع فيه الأدب من انحرافات فكرية وسقوط أخلاقي مخل بالقيم، وما من أحد منهم تمعر وجهه من ذلك، بل إننا نجد من البعض مواطأة ومداهنة، فالروائي الذي يعتمد الرذيلة مادة إبداع، ويستمرئ إشاعة الفحش، ولا يخشى من تدنيس المقدس وأنسنة الإله، يرى أنه يمارس حقه المشروع في ظل الحرية المكفولة للجميع، حسب تصوره الناقص، والناقد الحداثي الذي يرود للمبدعين أو يحمي سياقتهم ينافح بكل ما أوتي من قوة عن سقط أولئك وحقهم في حرية القول الذي تحول إلى حرية كفر لا حرية فكر. وإذا سقت الدليل الشرعي القطعي الدلالة والثبوت بين يدي هؤلاء وأولئك رد قائلهم: - ((لا مزايدة على الإسلام)). وكأن الإسلام تميمة تعلق على الصدر، أو كلمة تكتب في الهوية، أو شعار يطلق في الهواء، ثم لا يكون الحكم لله، ولا الطاعة لرسوله، ومثل هذا الانتماء الشكلي الناقص لا يكون معه هم ولا فعل، والإسلام لايمكن تصوره بدون عقيدة في الجنان وقول في اللسان وعمل بالأركان، على هدي من الكتاب وصحيح السنة، وهؤلاء النقاد المعذرون المشرعنون للرذيلة تليهم طائفة أخرى من النقاد، وهم الذين يتصورون الإسلام خارج نصه ومراده، وأولئك أخطر عليه من المنافقين، لأن هؤلاء الذين يشكلون الإسلام وفق أهوائهم، يحرفون الكلم من بعد مواضعه. وتباين الآراء حول أسلمة الأدب تمتد إلى القول حول مشروعية المصطلح أو مقتضياته، وتلك إشكالية تمس سائر المصطلحات. والحديث عن مفردة ((الاتجاه)) يستدعي مصطلحات رديفة (كالنزعة) و (الرؤية) و(المضمون) أو غيرها، والشاعر حين يولي شعره شطر القضايا الإسلامية ثم لاتكون له مخالفة بينة وغير قابلة للتأويل والتبرير كالشطح والانحراف والسقوط والتعصب الأعمى والتصور الخاطئ، يكون في ذلك مستجيباً لله وللرسول، محققاً مقتضيات (الأدب الإسلامي) التي ينشدها المنظرون الواعون لمفهوم الأدب الإسلامي. و(الشعر) و (المعاصرة) مصطلحان يقتضيان التوفر على الشرط الفني والزمن القائم، فإذا لم يكن الشعر شعراً بمفهومه العربي ووفق الضوابط التي تحفظ له تميزه عن النثر وعن سائر فنون القول إنه يخرج عن مقتضى المصطلح ليدخل في أي نوع قولي. والنثر الفني لا يقل أهمية عن الإبداع الشعري ولو امتد نظرنا إلى مصطلح (الأدب الإسلامي)) فإننا نجد كلمة (أدب) بوصفها الاصطلاحي، وهي الجزء الأول من هذا المصطلح المركب لا تعطي دلالتها حتى تحدد بوصف أو بإضافة تنسب الأدب إلى عصره، أو إلى إقليمه، أو إلى لغته، أو إلى مذهبه الدلالي، أو الفني، أو إلى مرحلته السياسية، فنقول: - الأدب الجاهلي، أو الإسلامي، أو العربي، أو العباسي، أو الماركسي، أو الحداثي، وليس في شيء من ذلك تجزيئية أو بدعة ثم إن كلمة (أدب) تستدعي فنيات قولية تخول الأداء القولي ليكون إبداعاً مستكملا للشرط الفني في مجال الشعر أو الرواية أو القصة، والمعنى الشريف حين لايتوفر نصه على متطلبات الإبداع الفنية لايكون أدباً، وإنما يكون قولا من القول، والمؤلم ان المتفلتين من إسار القيم الدلالية لم يتوفروا على قيم لغوية وفنية وجمالية، واقرؤوا إن شئتم هذا الطفح الرخيص من الروايات، وذلك السقط المشين من الشعر لتروا صنعةً في اللفظ وضعة في المعنى. ومن عجب أن خصوم هذا المصطلح يفهمونه على غير مراد ذويه، ومن ثم يتصورونه نفيا لأي أدب لايتوفر على شرف المعنى، والقرآن الكريم لم يمارس النفي، بل اعترف لشعراء الغواية بالشاعرية، فيما ذم مضمون شعرهم، وذلك ما يقتضيه مصطلح (الأدب الإسلامي) فهو يصف ويصنف ولا ينفي، وآخرون من الخصوم يودون العودة إلى جاهلية لا تختلف عن الجاهلية الأولى. فرفض المضمون الأخلاقي، والتخلي عن حمل هم الأمة المسلمة. والتمنع عن توظيف الكلمة الطيبة للدفاع عن حوزة الدين مع عدم الاخلال بالمقتضى الفني والزينة القولية التي يتطلبها الإبداع تمنع عن الدخول في الإسلام كافة، وإذا كان الأدب الجاهلي يمثل القيم الجاهلية، فإن الذين يناوئون أسلمة الأدب إنما يدعون إلى حمية جاهلية. والذين يستمدون أفكارهم من الفلسفات الوضعية، ثم يرسمون طريق الأدب والفكر والفلسفة إنما يريدون للأدب كما لغيره أن يكون داعية سوء على أبواب الرذيلة بأنواعها. ورضيع المذاهب الوضعية يفصل الأدب عن خالقه، ويركسه في وحل الرذيلة، ويؤصل فيه الفوضوية باسم الحرية. والأديب الإسلامي والناقد الإسلامي الواعيان لمهمتهما يدركان حدود ما يتطلبه الأداء الإبداعي من خلال بعديه الفني والدلالي. فالناقد الواعي لموقفه يرفض الطوارئ المخلة بالقيم الفنية، ك {العامية} و {النثرية} و (التغامض) و {خلق الأسطورة} و {الإغراق الخرافي}، فيما لايمانع من {الغموض الفني} و {التوظيف الأسطوري غير الوثني}، و {الرمز} و {القناع} و {الانزياح} و {التحرف الشكلي} الذي يحفظ للشعر تميزه عن النثر. وهو كذلك يرفض الخروج على المقتضى الإسلامي في البعد الدلالي، ولكنه لايجد حرجا من المتع المباحة واللهو البريء، ثم إنه في كل ذلك يملك حساً أدبياً، يمكنه من التفريق بين مهمة الشاعر ورسالة الواعظ وواجب العالم. فالشاعر غير الواعظ، والناقد الإسلامي غير الفقيه، وحملة هم الأسلمة لايكون أحد منهم ساذجاً بحيث يقترف خطيئة الخلط بين المهمات والتخصصات، أو يقبل الرديء من القول لمجرد ان مضمونه إسلامي ومن ثم فإن علينا ونحن بصدد الحديث (الاتجاه الإسلامي في الشعر العربي المعاصر) ان نتحفظ على أشياء أساءت إلى أسلمة الفن فالشعر الديني النظمي الرديء الذي لايتوفر على لغة شعرية، ويقوم على المواعظ، والرقائق، والمدائح النبوية ذات الطابع الصوفي التوسلي، والقبوريات، والابتهالات التي لا تحمي جناب التوحيد، والزهد المغيب للمؤمن القوي. كل هذا لايكون شيء منه محسوباً على هذا الاتجاه، ولا يجوز لأحد ان يقدم شيئاً منه بوصفه وثيقة نصوصية، تجلي خصائص الاتجاه الإسلامي في الشعر، وتدين الناقد والمبدع الإسلاميين، والمتعقب للإنشاد والمنشدين في الموالد النبوية يقف على جنح عقدية، وأساليب رديئة وكلمات وأوزان ليس لها في اللغة ولا في العروض من خلاق. وفي الوقت ذاته فإن الضعف العارض لأي مبدع أو ناقد إسلامي لا يحيل على الإسلام وأهدافه ورؤيته للأدب. الأدب الإسلامي يستمد جمالياته من الاعجاز البياني، وممن أوتي جوامع الكلم، ويستلهم قيمه من معاني الذكر الحكيم، والهدي النبوي الشريف، ومن أدب السلف الصالح الواعي لمهمته في الحياة وحاجاته البشرية وضعفه الإنساني وحبه للزينة والطيبات والجمال. وإذا ضعفت موهبة الشاعر، أو تدنى خياله، أو تعثرت لغته، أو تفهت معانيه، أو تضاءلت تجاربه، أو تسطحت معارفه، وجب على الناقد أن يذوده عن حياض {الأدب الإسلامي}، وألا يشفع له شرف المعنى، فالشعر لايكون شعراً حتى يستكمل متطلبات الفن الرفيع، والشاعر لايكون شاعراً حتى يكون {قوي الموهبة} {عميق الثقافة} {ناضج التجربة} {بعيد الرؤية} {شمولي التصور}، والذين يتعقبون سقط الشعر الديني أو رديء الشعر الإسلامي ، يجرمهم شنآن الإسلام على ألا يعدلوا، ومن واجبنا ألا نتعاطف مع الذين يهتاجون لنصرة الدين، وهم فارغون من الإمكانيات، فالإسلام غني عن المتردية والنطيحة، الإسلام دين القوة، دين البيان والفصاحة، دين الكلمة الطيبة والقول السديد، وإذ لا يقبل التناجي بالإثم والعدوان ، فإنه لا يعول على رديء القول وضعيف الأداء. وإذا كان المتحفظون من النقاد يشفقون على الأدب من أثقال الموضوعات الإسلامية، ثم لاينظرون إلى تحقق ذلك في الذكر الحكيم والسنة النبوية المطهرة وأدب السلف الصالح، فإنهم ناقصو الرؤية؛ وهل أحد يجهل اهتمام الإسلام بالجمال والامتاع؟ وهل أحد ينكر أعمالاً شعرية في غاية الجودة خدمت العقيدة وكرست القيم الأخلاقية؟ والشعر العربي الحديث الذي لايحمل هما إسلامياً استمد من القرآن الكريم بعض آية، ولطائف حكمه، وعبر قصصه، وجميل صوره، فكان إشعاعه، وكان اثره، وقد تقصى أطرافا من ذلك {محمد عباس الدراجي في كتابه ((الإشعاع القرآني في الشعر العربي))، والدكتور {شلتاغ عبود مراد} في كتابه ((أثر القرآن في الشعر العربي الحديث)) كما تعقب بعض الدارسين {التناص والاستلهام القرآني} عند بعض الشعراء الحداثيين الذين لا يحملون هما إسلامياً، نجد ذلك في كتاب الدكتور {عبدالعاطي كيوان}في كتابه (التناص القرآني في شعر ءأمل دنقل)) وفي كتاب الدكتورة {اخلاص فخري عمارة} ((استلهام القرآن الكريم في شعر أمل دنقل)) والمعروف ان الشاعر {دنقل} من رؤوس الفتنة وسدنة الحداثة، ومن عمالقة الشعر، وهو قد استمد فيضا من روائع القرآن، فأحسن وأساء، ولكنه في الحالين استحضار لقيم الجمالية، واستلهام للمضامين الدلالية، وقد نقف في التناص على تحريف أو سوء أدب. والثقافة العربية إسلامية، والحضارة الإسلامية قائمة ومؤثرة، والعالة عليها ينقمون على ضوابطها العقدية والسلوكية، وبعض النصوص المتمردة يحسبها البعض أدبا إسلاميا، وماهي من هذه الوجهة، وتلك من إشكاليات المصطلح، فكم يُحمَّل الاتجاه الإسلامي ما لا يحتمل، وكم يقترف الشعراء خطيئات وانحرافا لا ينتبه لها النقاد والدارسون، فيعدون ذلك أدباً إسلامياً، يأتي مثل هذا في الأدب الصوفي المتجاوز حد السلوك إلى المعتقد وفي الأدب الديني المغرق في الخرافة، وفي الزهديات التي تمعن في تحريم ما أحل الله، والاتجاه الإسلامي الصحيح لا يتسع لهذه التجاوزات، فالقبوريون لا يحمون جناب التوحيد، والمتصوفة الخرافيون لا يحققون مقاصد الإسلام في عمارة الكون وعبادة الخالق وهداية البشرية، والمتزهدون يقتربون من رهبانيات ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان، ولهذا فإن النقد الإسلامي يعي موقفه ومهمته ، وينفي الشطح وخطأ التصور وسوء الأدب، وإن كان فيما يقال حس إسلامي.