الفجأة موت يفجع، والموت فجأة يفجع، وإذا اجتمع الأمران في محبوب عزيز كريم مثل الأمير فهد بن سلمان، فذاك أقصى الفقد والحزن والفجيعة، ما الذي جعل خبر موت فهد بن سلمان نزل علينا كالصاعقة المدوية؟ وجعلنا نلوذ داخل حجيرات قلوبنا من الحزن والأسى. ولا حول ولا قوة إلا بالله فلقد تفاجأت مثل غيري بخبر رحيل حفيد المؤسس وابن الوطن البار صاحب السمو الملكي الامير فهد بن سلمان بن عبدالعزيز الذي انتقل إلى جوار ربه وهو في قمة عطائه وأوج شبابه لكنها مشيئة الله التي لا راد لها فسبحانه هو من أعطى وهو من أخذ وما أرواحنا إلا أمانة له جل شأنه يستردها أنى شاء ومتى وكيف أراد فلله الحمد والمنة على عطائه وأخذه. والحقيقة الكبرى التي لا مناص منها ولا مهرب.. ولكن مصيبة الموت يكون وقعها مضاعفا عندما يرحل عن دنيانا الفانية رجل مثل فهد بن سلمان بن عبدالعزيز فيترك في قلوب الناس لوعة من نوع خاص، وفي خنادق المسؤولية والعمل الوطني والإنساني فراغاً كبيرا نسأل الله العلي القدير ان يعين اخوانه وأمثاله من الشباب على القدرة على ملئه. لقد فقدت بلادنا في رحيل الأمير فهد بن سلمان أحد الفروع اليانعة في أسرة )آل سعود( المباركة الكريمة التي قدمت لهذا الوطن أوفى الرجال وأكرم الرجال.. فقد كان فهد بن سلمان أحد أبرز وجوه الجيل الشباب الذين تبوأوا مناصب رفيعة ترتبط مباشرة بالمواطنين وشؤون حياتهم.. مثل هذا النوع من المسؤوليات يتطلب مواصفات وخصالاً شديدة الخصوصية من أهمها التواضع وحب الناس والتفاعل الوجداني والإنساني مع همومهم ومشاكلهم واحتياجاتهم وقد كان الأمير فهد بن سلمان مرشحاً بالفطرة ليكون ذلك الصدر الرحب الذي يلقي عليه البسطاء همومهم وأثقالهم، ويلجأ إليه المحتاجون عندما تضيق بهم السبل.. فقد كان يرحمه الله رجلاً متواضعاً إلى أبعد الحدود. وخلال عمله في وزارة الداخلية ثم كنائب لأمير المنطقة الشرقية لنحو 6 سنوات، لم يتغير فهد بن سلمان عن فهد بن سلمان الإنسان فظل دائما بين الناس يتلمس احتياجاتهم ويلبي مطالبهم ويغرس في كل النفوس البائسة واليائسة بذرة أمل وتفاؤل. لقد أخذ الأمير فهد بن سلمان عن والده أمير الرياض قدرته الهائلة على التواصل مع الناس وإقامة جسور من المحبة معهم من خلال العطاء السخي والتفاني في خدمة المواطنين والحرص على تكريس مفهوم الأسرة السعودية الواحدة الذي جعله الملك المؤسس عبدالعزيز القاعدة الأساسية لبناء هذا الوطن الكبير في مساحته والمتماسك في وحدته وتلاحمه. لقد برز اسم فهد بن سلمان في أحلك الظروف وأصعبها، فقد كان رمزاً للإيمان والقوة والشجاعة في ذروة حرب الخليج في مطلع التسعينات، وكان أهالي الشرقية يفزعون إليه تحت قصف الصواريخ فيجدونه طوداً شامخاً بالعزة والرجولة يهدىء روعهم وتأتيهم كلماته الواثقة الحانية ألا تخافوا ولا تجزعوا فنحن معكم وبينكم. ولمع اسم فهد بن سلمان في أعمال البر والخير كلها، فقد دعم بجهده وماله الجمعيات الخيرية والطوعية فقد دعم مدارس تحفيظ القرآن الكريم وقدم دعماً كبيرا لمساعدة مرضى الفشل الكلوي وتولى أمانة الجمعية الخيرية لرعاية مرضى الفشل الكلوي، وكان مبادرا لمساعدة المحتاجين والفقراء بالبذل السخي والكلمة الطيبة واللفتة الحانية. إن الجموع الغفيرة التي تدافعت بتلقائية وعفوية إلى المطار لتكون في استقبال أمير الرياض والحشود التي شيعت جثمان الفقيد إلى مثواه الأخير وصفوف المعزين التي ازدحم بها قصر الأمير سلمان، ومشاعر الحزن والأسى التي غمرت قلوب السعوديين والمقيمين رجالاً ونساء، ليست سوى تعبير صادق عن حب الناس للفقيد الراحل، وإحساسهم العميق بالحزن لفقده وهو في ذروة عطائه وحيويته. وإن كان ثم عزاء في مصابنا الجلل فهو روح التلاحم والتعاضد التي تجعل من هذا الشعب الكريم أسرة واحدة في السراء والضراء.. ورابطة الاخوة والمودة التي تتسامى فوق كل الصفات والألقاب لتمنح هذا البلد قوة ووحدة وتلاحماً لا نظير له في أي مكان. وإذا كان فقد فهد بن سلمان اصابنا بالحزن فإن العزاء بما جُبل عليه إخوته وأبناؤه من فعل الخير وحب الخير للناس، اطفالاً وشباباً وكهولاً. الابن سر أبيه، فلا تبك يا والد الجميع، فتبكي قلوب الاطفال معك وقلوب الشباب معك وقلوب الكهول معك، ولكن ردد معنا في يقين المؤمنين بقضاء الله وقدره: لا حول ولا قوة إلا بالله، و«إنا لله وإنا إليه راجعون».