كان ذلك اليوم شديد البرد، والرياح تعبث بالأشجار,, يمنة ويسرة,, حين خرج من منزله متجهاً إلى هذا المكان الغريب، لايدري ما الذي يشده ويجذبه إلى هنا!! فهو كل يوم يخرج ويأتي ,, يقف بعيداً يتأمل المنزل عن كثب,, ثم يعود من حيث أتى بقي على هذا الحال شهراً كاملاً,, أما اليوم ,, فلن يتزحزح حتى يدخله ويرضي فضوله,, وليس يدري بعد!! سرت في جسده قشعريرة حين اقترب من الباب الخشبي المهترىء، نفض الغبار بيده,, وحرك المقبض وسرعان ما انفتح الباب، تساقطت ذرات الغبار عليه من أعلى وتعالى صريره بفعل الهواء,, كان المكان شبه مظلم,, فلولا تلك الشقوق التي بالنوافذ لما استطاع أن يرى يده من شدة الظلام. عطس بقوة وكان لدوي عطسته في وسط هذا الهدوء القاتل مفعولاً قوياً, أخرج منديلاً من جيبه ووضعه على أنفه، يبدو أن الغبار قد أثاره وهو لا يحتمل هذه الأتربة انتظر أن يخرج له أحداً,, ولكن لا أحد يجيبه غير صدى صوته,. كان المكان رطباً، ورائحة العفن تنبعث منه,, أشياء مبعثرة,, صناديق خشبية مختلفة الأحجام,, أوراق ,, ونفايات,, وكتب,, وأشياء أخرى صغيرة انحنى إلى الأرض والتقط كتاباً كبيراً، نفض الغبار بطرف كمه, وما أن فتح الصفحة الأولى حتى قذفه بعيداً عنه حين رأى حشرة غريبة تتبختر على صفحاته كم يكره هذه الحشرات ويخافها. أخذ قلبه يخفق بشدة حين بدأت الرياح تزمجر بقوة وقد بدأ معها عبث الأوراق والأبواب والنوافذ,, والأصوات تتعالى,, يا إلهي أي جنون هذا الذي يدفعه إلى هنا!! ياله من فتى!! إنه أجبن طفل في قريته يخشى الظلام,, ويهاب الوحدة ولا ينام إلا في احضان والديه ما الذي جرى له اليوم؟! ألأنه أصبح رجلاً,, والرجل لا يخاف بل لا ينبغي له أن يظهر خوفه!! لطالما سخر منه زملاؤه ,, وتلذذوا بتخويفه!! هل يريد اثبات رجولته؟ هل يريد أن يتباهى أمام أصحابه واخوته بدخوله هذا المنزل الذي كثرت عنه الأقاويل بوجود الأشباح!! أهو تحدٍ لهم؟ أم تحدٍ مع نفسه ليقهر الخوف بداخله؟ لم يعد يعرف ماذا يريد؟! صوت الرياح جعله يقشعر من دخول تلك الحجرة الخلفية، لاشك أن بها شيئاً ذا أهمية إنها تبدو,, تبدو خيالية كما في القصص والأساطير القديمة المخيفة. كم كان يخشى سماع مثل هذه القصص رغم حبه لها!! حاول أن يقتلع الخوف من صدره باقترابه أكثر من الغرفة ولكن كلما قدم رجلاً أبت الأخرى المسير,, فتراجع أكثر ما ظل على هذه الحال مدة من الوقت,, وحين بدأ الظلام يخيم,, والشمس تنسحب بهدوء من الأفق، كان الخوف قد تمكن منه لدرجة انه يأبى التراجع,, ويخشى أن يعطي ظهره للغرفة المظلمة، كانت الرياح قد اشتدت وتعالى صفيرها. يا الهي اشعر وكأنني محاط بآلاف الأشباح . كان صوته مرتعشاً ,, عميقاً,, وبدأت الأوراق تتطاير وتصطدم به مما جعله يرتعد أكثر,, ظلام,, وأصوات,, وأجسام صغيرة تلتصق به وفجأة شعر بيد باردة كالثلج تمسك به, وتهزه بعنف,. انهض مازن,, ماذا جرى لك؟! تساءل: أين الغرفة المظلمة؟! هز الأخ الصغير رأسه بأسى وقال: لا فائدة منك,, دائماً أنت هكذا جبان ,, ومزعج,, كل ليلة توقظني بكوابيسك اللانهائية,. نهض من فراشه واقترب من أخيه وهو يقول: هل تذهب معي الآن,, إلى المنزل المهجور لأثبت لك أنني لا أخاف!! شد الصغير الغطاء وأحكمه حول جسده وقال وهو يتثاءب: انك تهذي لا بد أنك لا تزال تحت تأثير الحلم!! ولم يكد ينتهي من عبارته حتى سمع صوت الباب وهو ينفتح نظر حوله, لقد اختفى هه ,, يبدو أنه سينام إلى جانب أمي! قالها بتهكم وهناك أمام المنزل المظلم، كان يقف وقد شل الخوف أطرافه فلم يعد قادراً على الحركة,, ومن حوله أصوات,, صفير الرياح وحفيف الأشجار,, وأبواب تفتح وتغلق داخل المنزل,, ولكنه رغم كل شيء,, بدأ يتقدم,, ويتقدم,, ،ويتقدم,. فوزية فواز الحربي الخرج ** أجمل ما في هذه القصة هي هذه النهاية المفتوحة التي تجعل القارىء يشارك في وضع نهايتها حسبما يراه مناسباً! والصديقة فوزية الحربي تدهشنا بهذه القصة المتميزة,, فالأحداث المتسارعة والحبكة القصصية المتقنة أحالت القصة إلى مشهد سينمائي سريع,, الصور فيه متلاحقة بالكاد تستوعب جميع الصور التي تراها,, ولكنك تعيشها لحظة بلحظة,, ومن هنا يأتي التميز الذي ظهرت به هذه القصة! نتمنى أن نحظى بقصص أخرى للصديقة فوزية,, لتتواصل بها معنا في هذه الصفحة.