رئيس تحرير جريدة الجزيرة - وفقه الله أورد الأخ الأستاذ عبدالرحمن بن سعد السماري في عموده )مستعجل( في جريدة الجزيرة بعددها رقم )10492( وتاريخ 28 ربيع الأول 1422ه موضوعا بعنوان )المخلص دوماً يفضح الفاشل( هذا الموضوع الذي أرى أنه يلامس الفؤاد ويكشف المستور للكثير من الموظفين والمخلصين الذين يرون أن حقهم مهضوم وأن هذا الموضوع هو متنفس لهم يعبر عن الكثير ممن يريدون أن يقولوه فكفاهم الكاتب ذلك بجزء ممن يودون أن يقولوه )لا فض فوه(.. ولكنني أخالف أخي الكريم )أبو سعد( في هذا العنوان الذي لا أدري هل وضعه بنفسه أو وضعه له المسؤول عن الصفحة )الرابعة( ولكن في كلتا الحالتين مازلت اختلف معه في هذا العنوان وأشد على يد الفاشل وأقول بعنوان بسيط متواضع )الفاشل هو الذي فضح المخلص( نعم هي عبارة نشاز )خارجة على القانون( وغير مستساغة لكنها تفرض عليك هذه المقولة وأنت ترى أنه أخذ حقه غير منقوص وتجعلك تفضفض عما يدور في خلدك ويكتمه صدرك حتى لا تأتيك أمراض العصر )الضغط - السكري - حصوة في المرارة(.. إلخ إن لم تكن جاءتك سلفاً بسبب ذلك الفاشل أو لنقل المهمل أو اللا مبالي أو أي مصطلح نطلقه على من لا يحمل بين جنبيه قلباً نابضاً عامراً بحب العمل والإخلاص والتفاني. أعود وأقول نعم لو أن الكثيرين يشككون في تكراري لهذه المقولة مع سبق الإصرار والترصد فالحياة تجارب ومع الحياة تستطيع أن تخرج بثروة كبيرة من المواقف السلبية والإيجابية التي تستطيع أن تزنها بداخل نفسك لتحكم من خلال ذلك على ما تريد أن تتفوه به.. فأعود إلى موضوع الفاشل.. أقول إنه هو سبب تحطيم المجد وهو السوسة التي تنخر عظم العضو الناجح في المجتمع وقد يكون عرضة للضغوط النفسية والقهر وأدخله في مراحل كثيرة من مراحل النكوص والتراجع.. إلخ من العبارات التي تدخل في قواميس ومعجم الأطباء والإخصائيين النفسيين وهم يشخصون حالة المرضى ويصفون الدواء ولكن أشك أن المخلص الذي يتعرض لهذه الضغوط يكتب له الشفاء لأن المرض استشرى في الكيان الجسدي وهددأهم عضو في الجسم وهو الناحية النفسية التي لا يمكن إعادة تأهيلها التأهيل المناسب للعودة إلى طبيعتها إلا بقدرة الواحد القهار ثم علاج ناجع هدفه إزالة أسبابه واستئصاله من جذوره بمشرط جراحي حاد ويسكب فوقه كل المطهرات والأدوية المضادة له حتى لا يعود مجدداً بصور مختلفة ووجه جديد وأسماء رنانة والقضاء على من يقف وراءه ويسنده في الضراء والسراء مهما كانت مكانته الاجتماعية وموقعه المميز وذلك لننطلق من القاعدة التي تقول )البقاء للأصلح(. الحديث عن الإخلاص )يا أبا سعد( شيء يشعرني ويشعرك ويشعر كل صاحب نفس زكية وقلب حي بالفخر والزهو والاعتداد بالنفس وأنت ترى فئات من المواطنين الخيرين المخلصين يحملون في ثنايا صدورهم قلوباً مؤمنة بربها متعلقة بحب الناس هذه الفئة هي التي نذرت نفسها لعملها وكأنها لم تقرأ الحديث الشريف القائل ).. إن لبدنك عليك حقاً فأعط كل ذي حق حقه( هم كثرة ولله الحمد ولكن يغلب عليهم العمل بصمت دون مجاهرة في وسائل الإعلام، يغلب عليهم الحياء دون أن يقفوا )أمام مكتب معالي الوزير( ليكونوا من معارفه ولم يستجدوا أحداً من أقاربه ليوصي لهم بترقية معينة أو مهمة عاجلة فيها منفعة دنيوية فكسب القناعة التي هي كنز لا يفنى وعاش يومه سعيداً بعمله فرحاً لأنه ينجز ويخدم أبناء جلدته ويقضي حوائجهم بما يستطيع وبما يملك من صلاحيات في مصلحته من مبدأ )لا ضرر ولا ضرار( يضع رأسه على وسادة النوم بقلب مطمئن راض مرضٍ ينام قرير العين بعيداً عن كوابيس الظلم وتأنيب الضمير.. هذه فئة يطلق عليها )الجندي المجهول( إن كان لهذه التسمية من معنى انهم يريدون براءة الذمة وإصلاح الذات وأداء الأمانة هم كثرة )يا أبا سعد( لكن ما يطفو على السطح أحياناً من حالات شاذة من الفاشلين هو )الأجوف( والقاعدة الفيزيائية تؤكد ذلك أما الصلد والثقيل والغالي فيغوص في أعماق البحر لا يستطيع أن يخرجه من موقعه إلا المهرة من الغواصين كاللؤلؤ المكنون فهو )غالي الثمن( يباع بميزان حساس ذي مواصفات عالية من الدقة. الحديث عن المقارنة بين الفشل وضده الإخلاص حديث موصول لا ينقطع عشت فرأيت العجب في بعض المصالح الحكومية أعرف الكثير من المخلصين في أسفل السافلين في الهرم الوظيفي رغم توفر جميع مقومات النجاح الوظيفي )كالتأهيل العلمي والخبرة الوظيفية وحسن تقارير أداء العمل وثناء المجتمع( ومع ذلك لم يكن له من كل ذلك أن يبقى حسب المصطلح العسكري )محلك سر( وغيره ممن يطلق عليه الفاشل المهمل.. إلخ وصل الدرجات الوظيفية العليا وأصبح يشار إليه بالبنان ولو عملت مقارنة جدولية بينه وبين زميله الذي قد يكون دخل معه بنفس الخدمة والتأهيل والدورات التدريبية والتقديرية لوجدت كفة الميزان تميل وبقوة لصالح ذلك الفاشل وهنا أضع أكثر من علامة تعجب: ما السبب ولماذا لا يوضع في حجمه الطبيعي؟؟ لكن من يضعه في مكانه وكيف؟؟ أسئلة كثيرة لا تجد لها جوابا وعلامات تعجب هي تتعجب من نفسها لأنها وضعت في موقف العجب ذاته فتعجب من نفسها. أنا مررت بتجربة ذلك عن الموظف الحكومي يعتبر قمة في الذكاء ورمزاً من رموز الوفاء مخلصاً مجداً يضع وقت عمله فوق أي اعتبار حتى وقت أسرته وأهله يخلص بلا حدود يقضي في عمله أكثر من قضائه في منزله وهو رقيب نفسه كل هذا لم يشفع له عندما لا يكون له )حظوة( أو جاه أو قرابة بصلة لدى المسؤول في موقع قيادي لدى الجهات العليا فذهب مستقبله مع الريح هوت به إلى )مكان سحيق( بعد أن عاش بين السندان والمطرقة وبجرة قلم )خذوه فغلوه( قضي عليه تماماً وهو الناجح والمخلص من وجهة نظر المحكمين )المجتمع( فانقلب الهرم كما انقلب على كثيرين مثله ولم يستطيعوا أن يعيدوه إلى )سيرته الأولى( رغم جميع المحاولات والبدء من نقطة الصفر وأجزم يقينا أنه لو كان له رابط الصلة ووشائج القربى فإن الهرم يزيد رسوخاً وشموخاً وثباتاً حتى ولو كان هو من المهملين أو الفاشلين ولو أنه ولرفعت له التقارير التي تؤكد تفوقه بدرجة )خارقة( يخشى منها أن تتعدى مستوى التفكير البشري ولوجدته يتبختر خيلاء ويزهو بنفسه فرحاً و)احفظي يا أرض ما عليك(.. فهل يسمع بقول الشاعر العربي: تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيع ولا تكن كالدخان يعلو بنفسه إلى طبقات الجو وهو وضيع فلا أحد ينكر أو ينسى أو يتناسى أن يكون للإعلام كما أشرت دور بارز ومميز في الوقوف مع المخلصين فيقال للمحسن أحسنت ويوقف المسيء أو المهمل أو الفاشل فوراً.. لكن يجب أن يكون دور الإعلام الأسمى والأكبر هو عملية تصحيح المفاهيم ونكش المستور الخاطىء وتعرية الحقائق أمام المسؤولين وإبرازها بوضوح وتقييم الأداء من واقع التجربة الميدانية والدخول إلى كل شيء ونقل ما يدور خلف الكواليس وبين أروقة المكاتب ومن أفواه المجتمع في كل المجالات الخدماتية والتعليمية بدقة وحرص وتأنٍ وأمانة ومصداقية وذلك من منطلق واحد وهدف سام.. هو القضاء على أسباب الفشل قبل أن يلتصق بصاحبه ونكافحه كما يكافح مرض )الكوليرا والملاريا( وهذا أشد فتكاً منهما لأنهما تحت المجهر الطبي والأجهزة المتطورة لكن هذا المرض مكافحتنا له بطرق مختلفة تحتاج إلى مضاعفة الجهد وتكاتف الأيدي ولاسيما نحن نخطو بخطوات ثابتة في الألفية الثالثة التي شهدت تغيرا في الكثير من النظريات القديمة.. إن متطلبات الأمانة العملية تستوجب على كل مسؤول في موقعه من )وزير مروراً بمختلف الوظائف حتى آخر مسؤول في القاع الهرمي الوظيفي( أن ينظر إلى هؤلاء المخلصين بمنظار التجرد من الانتماء والتعصب لنعطي لهم حقهم كاملاً غير منقوص يرفع من شأنهم ويدفع لهم الحوافز التي يرنون إليها وما أكثرهم في كل مصلحة حكومية ومرفق خاص فلعل في حديثي هذا شيئا من فضفضة النفس وتنفيس عن شيء مكبوت في موقع يطلق عليه بؤرة )اللا شعور( في النفس البشرية المغلوب على أمرها والتي ضاقت ذرعاً بمن حولها من تصرفات في غير محلها لكنها لا تستطيع أن تغير في الأمر شيئاً سوى أن تردد )واصبر وما صبرك إلا بالله( ثم ختمت )يا أبا سعد( مقالتك الكريمة بعبارة لطيفة خفيفة وهو أن هناك نوعيات رائعة وموظفين ومسؤولين مثاليين وهم الأكثر بفضل الله.. صدقت وأصبت ولكن كيف ننصف هؤلاء المثاليين والمخلصين كيف نعطيهم الدفعة المنشطة ليمشوا إلى الأمام لا أن يقفوا في مكانهم ما هي الأسس والقواعد التي تضمن لهم هذه المثالية وتبعد عنهم أسلوب المحاباة والتقريب .مؤسسات كثيرة تئن وتتوجع من هذه الظاهرة فبعض المسؤولين كبر مركزه أو قل يصل إلى منصب قيادي يضع نصب عينيه وفي خططه المستقبلية تركيبة معينة فهل نستطيع أن نقضي على هذه الظاهرة لنعطي المخلص حقه وندفعه إلى البذل والعطاء، آمل ذلك. والله الهادي إلى سواء السبيل.. محمد بن غازي العنزي لرياض هوامش: )1( هذا الموضوع لا علاقة له برأي الأخ عبدالرحمن السماري في مدير المستشفى، بحكم أني غير ملم بعمله ولا بعمل غيره ممن سبقه في هذا العمل، وإنما حديثي فقط حديث عام عن الناجح والفاشل في العمل في مختلف قطاعات الدولة والقطاع الخاص. )2( إنني بهذا الموضوع لا أخصص، لكني أؤكد بأن ما أشرت إليه هي حالات محدودة ولا يمكن أن أصنفها كظاهرة، كما أن الكاتب غير محيط بكل أعمال الدولة والعاملين فيها، ولهذا فإن التعقيب على مقال الأخ السماري هو من باب التذكير بأهمية تقدير المجد والابتعاد عن المحسوبية في تقييم العاملين، ولا شك أن جهات الاختصاص تعمل للحد منها وسوف تنجح في ذلك إن شاء الله.