غسيل الأموال جريمة عصرية يحاربها الاسلام وتؤدي الى تضعيف الدخل القومي وتشويه نمط الانفاق والاستهلاك، ارتفاع العجز في ميزان المدفوعات كما تؤدي الى انهيار البورصات والبنوك، وقد أكد الخبراء أن المملكة العربية السعودية احسنت صنعاً عندما صدر قرار هيئة كبار العلماء رقم 91 بتاريخ 22/5/1402ه الذي يجرم التستر، باعتبار أن المبلغ الذي يحصل عليه الوطن من الأجنبي للتستر عليه يعتبر مالا بلا عوض لا يستحقه، حرمه الحق سبحانه وتعالى في محكم كتابه )ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل(، الجزيرة طرحت قضية غسيل الأموال للنقاش للوقوف على آثارها الاقتصادية والاجتماعية ورأي علماء الدين في غسيل الأموال: يقول الدكتور حمدي عبد العظيم عميد اكاديمية السادات للبحوث ان غسيل الأموال تعني سلسلة من التصرفات أو الاجراءات التي يقوم بها صاحب الدخل غير المشروع بحيث يبدو هذا الدخل مشروعاً مع صعوبة اثبات عدم مشروعيته بواسطة السلطات الأمنية أو القضائية، وتقدر حجم غسيل الأموال على مستوى العالم بنحو 700 مليار دولار سنوياً، وتأتي الولاياتالمتحدةالأمريكية في مقدمة الدول التي تعاني من غسيل الأموال بنحو 283 مليار دولار وتليها ايطاليا 52 مليار دولار، وألمانيا 6، 24 مليار دولار، اليابان 2، 24 مليار دولار، وكندا 3، 23 مليار دولار، وتحدث نحو 25% من غسيل الأموال في أسواق المال العالمية، وتعتبر نيويورك أكبر مراكز العالم في غسيل الأموال القذرة وتنافسها لندن، ويضيف أن أهم المجالات المرتبطة بغسيل الأموال المخدرات والتي تصل 70% من الأموال غير المشروعة، وأنشطة البغاء والتهرب الجمركي والضريبي، والسوق السوداء والرشوة والفساد الاداري والتربح من الوظائف العامة، والسرقات من الأموال العامة والاقتراض من البنوك بدون ضمانات كافية، وجمع أموال مدخرات العاملين في الخارج لتوظيفها بدون ضمانات أو جمع اموال المودعين وتهريبها الى الخارج، وكذلك الدخول الناتجة عن النصب والاحتيال على راغبي العمل، والناتجة عن الغش التجاري، والمضاربة غير المشروعة في البورصة، والناتجة عن الفساد السياسي وأنشطة الجاسوسية الدولية، بالاضافة الى الدخول الناتجة عن تزييف النقود المحلية والأجنبية أو الناتجة عن تزييف بطاقات الائتمان أو النقود البلاستيكية واستخدامها في السطو على أموال العملاء في البنوك، الى جانب الدخول الناتجة عن التستر والتي تجرمها بعض الدول العربية التي تمنع قوانينها الأجانب من المتاجرة أو مزاولة الأنشطة الاقتصادية والتجارية والمالية دون وجود كفيل وطني حيث يلجأ الأجانب الى بعض رجال الأعمال من أبناء تلك الدول العربية ويقدمون لهم رواتب شهرية أو نسبة من الأرباح مقابل التنازل له عن حقه في استخدام ترخيص مزاولة النشاط الاقتصادي، وبذلك يحصل المواطن على دخل غير مشروع، ويحصل الأجنبي على أرباح طائلة من استغلال التراخيص الممنوحة للمواطنين والتي ترصد لها الموازنة العامة مبالغ كبيرة في خططها التنموية، ترحيل الأجانب يؤكد عميد اكاديمية السادات للبحوث ان المملكة العربية السعودية تقوم بدور فعال في مكافحة جرائم الأموال القذرة وتصل القضايا التي يتم التحقيق فيها يومياً ما بين 40، 60 قضية تشمل 19 مدينة سعودية، وفي حالة ثبوت واقعة التستر، يمنع الأجنبي من مغادرة البلاد حتى يقوم برد جميع الأموال المستحقة الى الحكومة ثم يتم ترحيله خارج البلاد، وعن الآثار الاقتصادية والاجتماعية لغسيل الأموال، ، يقول الدكتور حمدي عبد العظيم ان عمليات غسيل الأموال القذرة تؤثر على الاقتصاد القومي من خلال دعم الجرائم الأصلية مثل المخدرات والفساد الاداري والسياسي وغيرها حيث تؤدي إلى تهريب جانب من الدخل القومي المشروع الى خارج البلاد فيضعف الدخل القومي المحلي، كما تؤدي هذه العمليات الى تشويه نمط الانفاق والاستهلاك، وخفض الانتاج بنسبة 30% كما أثبتت احدى الدراسات الأمريكية، كما تحدث خللا في توزيع الدخل القومي وزيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وزيادة الانفاق البذخي، الى جانب أن عمليات غسيل الأموال تدفع الحكومات الى زيادة الضرائب أو الديون الداخلية أو الخارجية فيحدث عجز في ميزان المدفوعات، كما تؤدي الى انهيار البنوك المتورطة في عمليات غسيل الأموال كما حدث في حالة بنك الاعتماد والتجارة الدولي الذي تورط فرعه في فلوريدابالولاياتالمتحدة في عمليات الغسيل مما جعل امريكا والمملكة المتحدة تقوم بتصفيته، بالاضافة الى أن هذه الجريمة تؤدي الى انهيار البورصات التي تستقبل الأموال الناتجة عن الجرائم الاقتصادية، يضيف ان من آثار غسيل الأموال الاجتماعية نجاح أصحاب الدخل غير المشروع في الانتفاع بحصيلة الجريمة مما يؤدي الى صعودهم على قمة الهرم الاجتماعي، في وقت يتراجع فيه مركز العلماء والمكافحين الى اسفل قاعدة الهرم، كما يصبح المال معيار القيمة للأفراد مما يؤدي الى شعور الشباب بالاحباط والركون الى السلبية، وهو ما يؤدي الى اهتزاز القيم الاجتماعية وتهديد السلام الاجتماعي، الحيطة والحذر وعن الاجراءات الفعالة لمكافحة غسيل الأموال يشير عميد اكاديمية السادات للبحوث الى ضرورة الاستفادة من الدول المتقدمة والتي أصدرت قوانين تجرم هذه الأنشطة، وتطبيق مبادئ الحيطة والحذر في البنوك والمؤسسات المالية، والتعاون الدولي في تضييق الخناق حول الهاربين بأموال الجرائم المتعددة لمنعهم من جني ثمار جرائمهم المالية والتفرقة بين النقد الأجنبي معلوم المصدر وغير معلوم المصدر، وتطوير قوانين سرية الحسابات المصرفية بحيث لا تقف عقبة أمام رجال الأمن في مكافحة وتعقب عمليات غسيل الأموال الى جانب تدريب العاملين في البنوك والمؤسسات المالية وسوق المال والضرائب والجمارك والأمن العام والأمن الاقتصادي وغيرهم علي الأساليب الحديثة في كشف محاولات غسيل الأموال، وتوفيق أوضاع البنوك التي لا تخضع لإشراف البنك المركزي، إلى جانب ضرورة مراقبة التحويلات التي تتجه الى بنوك دول الملاذ المصرفي وهي 31 دولة منها جزر البهاما وبنما وأورجواي وجزر الباربادوس والفوكلاند وجزيرة جرينادا وبرمودا، والنمسا وليبيريا ولكسمبرج وموناكو، وسويسرا وهولندا وهونج كونج وسنغافورة ومملكة تونجا وجزر المالديف والكايمان، ومراقبة التحويلات القادمة من أو المتجه الى الدول المشهورة بتجارة المخدرات زراعة أو انتاجاً واستخدام شبكة الانترنت العالمية في التنسيق وتوفير المعلومات عن الذين يشتبه فيهم، ومنع المجرمين من استخدام التكنولوجيا المتقدمة في تنفيذ الجرائم الاقتصادية المنظمة من خلال وضع ضوابط للتعامل مع التكنولوجيا، الأثر الديني يؤكد الدكتور محمد عمر عبد الحليم استاذ الاقتصاد ومدير مركز صالح كامل للاقتصاد الاسلامي بجامعة الأزهر ان الآثار السيئة لغسيل الأموال على المجتمع تتمثل في الأثر الديني الذي يخالف مرتكب هذه الجريمة احكام وتوجيهات الدين بعدم الكسب الحرام والاعتداء علي أموال الآخرين، والممارسات الاقتصادية الضارة وذلك بسبب ضعف الوازع الديني ويعاقبه الله عز وجل على هذا دنيا وآخرة، فهذه الجريمة تؤدي الى الاضرار بصحة المواطنين نتيجة للغش التجاري والمخدرات، كما تؤدي الى نقص كفاءة الأداء الاقتصادي لما تحدثه الرشوة والعمولات من ترسية العمليات على المقاولين والموردين الأقل كفاءة وهو مدى خطورة المال الحرام على المجتمع والاقتصاد، ويوضح استاذ الاقتصاد الاسلامي ان هناك ثلاثة مستويات لمنع المسلم عن المال الحرام الأول هو ضمير المسلم، فلا يجتمع الفساد والايمان والثاني هي الأحكام الشرعية والتي أوجدها الاسلام ولا توجد في العالم وهو نظام «الحسبة» وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يمر في الأسواق ليتفحص السلع ويكشف الغش والخداع ويعاقب على ذلك، وثالث المستويات هو عقاب الله الذي لا مفر منه، لهذا يجب ان تخصص كل دولة ركنا للوعي الديني الاسلامي داخل كل مؤسسة وشركة لتوعية العاملين بها، جهود عربية ودولية أوضح الدكتور حازم محمد عثلم استاذ القانون الدولي بكلية الحقوق جامعة عين شمس ان هناك جهودا دولية وعربية في مكافحة عمليات غسيل الأموال منها اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية وهناك الاتفاقية العربية لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية عام 1994، والتي جرمت الأفعال التي تؤدي الى تحويل الأموال أو نقلها مع العلم بأنها متحصلة من أية جريمة من الجرائم، أو من فعل أو ا شتراك في اخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع للأموال أو قصد مساعدة أي شخص متورط في ارتكابها، وتحتاج الدول العربية الى تنسيق الجهود نحو مزيد من الفعالية لمحاربة الجرائم الاقتصادية خاصة غسيل الأموال قبل أن ينتشر وبصورة كبيرة في الاقتصاد خاصة ان عمليات غسيل الأموال تصل الى 30% من الاقتصاد الخفي،