كعادتها المنامة عاصمة البحرين تفتح قلبها للفن الجميل بكل تسامياته الابداعية.. وهكذا كان في نهاية شهر ابريل المنصرم ان استقبل عشاق اللمحة الوضاءة ابداعات ابنة المملكة العربية الأميرة ريم الفيصل من خلال معرض لصورها الفوتوغرافية في صالة العرض من مركز الفنون التابع لمتحف البحرين الوطني في قلب العاصمة المبحرة في تألق المستقبل الآتي في عمق القرن الحادي والعشرين بقيادة أميرها المبدع حمد بن عيسى.. والأميرة فنانة مسلمة تتحدر من ثقافة إسلامية عريقة وتاريخ سعودي عربي أصيل.. وهي تمارس الفن والابداع. تضمن معرض ريم صوراً أسود وأبيض تجلى فيها الابداع من خلال مدلولات تتناغم في سياق الضوء المتساقط على الأشياء وتناسق الأبعاد وهذا ساعد على منح اللوحات توازنا ما بين كثافة اللون ومساحة الرؤية، معرض الأميرة الفنانة يقودنا إلى بدايات بروز فن التصوير الفوتوغرافي عند القرن الثامن عشر الميلادي في أوربا حيث مولده الأول تطور إلى درجة الابهار وكان من رواده العباقرة والمبدعون وأصبحت لوحاتهم تقارن بمبدعي الريشة والألوان من عباقرة الرسم.. في عالمنا العربي بدأ تطوره بطيئا وغير مفهوم ثم ومنذ نهايات القرن العشرين ارتقى بسرعة رائعة، المملكة العربية كما هو معهود بها احتوت ذلك الفن الجديد ووفرت له كل الامكانات.. أخذت بيد الفنانين الموهوبين أعطتهم الجمعيات التي ينضم لها المصور المبتدئ يتعلم ويجد أمامه جميع الأجهزة والمواد بالإضافة إلى الخبراء من المتمرسين في ذلك الباب وهكذا وعلى مدى سنوات أصبح لدينا مجموعة من المصورين المبدعين ومنهم الأميرة ريم الفيصل الآتية من بيت الفوتوغرافيين في مدينة جدة الجميلة المطلة على أجمل بحر والمتأمل لصور ريم يلاحظ دون مراء تأثرها بالبيئة البحرية حين تزخر لقطاتها بالماء والجداول والأنهار.. وكمبدعة لا تقبل ان تؤطر الجمود بل تبحث دوما عن الحركة، لقطات الطبيعة توحي بجمال واحساس يستشعر عن بعد ومضات الضوء تستخدم كاميرات عالية التقنية نتلقى موجات النور مهما كانت ضئيلة وبعيدة تقوم عدسة الكاميرة بتجميع شتات النور العالق في جزئيات وذرات الهواء تنعكس عليها خيوط الأشعة المستقيمة حسب التفسير العلمي للضوء عند اصطدامها بالجسم المراد تصويره تجمعها في نقطة واحدة تشكل في النهاية صورة واضحة المعالم تملأ فضاء اللوحة بشكل مناسب وجميل. من خلال لوحات ريم المصورة يستشف المشاهد مقدرة ومهارة في تعامل الفنانة مع تقنيات أدواتها وملمة تماما بوظيفة كل جزء من أجزاء الكاميرة التي تستخدمها بحرفنة رقيقة ويبدو انها تدربت بشكل جيد فترافق الابداع وحساسية الرؤية مع كثافة في التعلم وتدريب حاذق من هنا كانت لوحاتها مرهفة الى حد مبهر.. المعرض يضم العديد من الصور جعلت الطبيعة موضوعها الأول فشعرنا برومانسية الغروب وعذوبة المساء حين تختبئ الشمس بين طيات ندف الغيوم الشفافة ولأن الصور أبيض وأسود وهما ثنائية الأزل ومجمع كل ألوان الطيف الذي منه تتوالد كل الألوان في أفق الرؤية البشرية التي تنقل جمال الطبيعة التي أوجدها الله سبحانه في كل ما يحيط بنا.. من ابداعات تصويره الجميل للبشر والمخلوقات حتى الجماد.. لقطات جريان المياه جاءت تموج بحركة متماوجة، رذاذ الماء يتطاير حين تصطدم الموجات الصغيرة بحجر يعترض مسيلها تطير في الهواء القريب.. وباستجابة سريعة بديهية ومتمكنة في ذات الوقت تجمد هروب نقاط الماء الشفافة وتبدو اللوحة رائعة بشكل غير مسبوق يشعر المشاهد بأن تلك المياه الرقراقة سوف تبلل ناظريه وهكذا شعور يتوالد لديك؛ يعني بأن المصور أوصل احساسه المرهف بدفة العمل، وصدق اللقطة.. لوحات الطبيعة استخدمت بها الضوء بعمق المجال المفتوح مما جعل الأشياء تأتي يحدها بروز حاد مظللة بدكانة اللون الأسود المنحدر إلى الرمادي حتى يصل إلى رهافة الأبيض الفضي الشفيف مما أعطى الصور نقاء مكثف الإبداع يتجلى في غالبية الصور واختيارها لطبيعة بلدها وبالأخص مدينة جدةمسقط رأسها يبدو بشكل انتماء مليء بالعذوبة وحنين الصحارى الضامنة للماء والخضرة والجمال.. غياب الشمس لعب دوراً في عمل خلفية بتأثير مريح منح ظلالا بتموجات وتدرجات في العمق والكثافة تسارع إلى اختطاف لقطات نادرة في الطبيعة مملوءة بحركة متدفقة وتمتلئ إعجابا بقدرات وابداعات الفنان في المملكة العربية. ربما كانت الهنة الوحيدة من وجهة نظري حين قطعت ريم اندماج المشاهد والمنصهر في رومانسية الطبيعة وعذوبتها مياه دافقة رذاذ متراقص شجيرات تلتحف الضباب وأزهار تختبئ في عمق الظلال ودكونة الظلام وتعرض أمامه أماكن وشخوص اعتيادية ومطروقة ومباشرة جداً.. حادت قليلا عن مسارب الابداع وكنت أتمنى أن تجعل لكل مجموعة من صورها بيئة تضمها وموضوعاً واحداً تشتمل عليه ولكن في النهاية تظل ريم مبدعة بطريقة العذوبة التي تأتي من البساطة غير المتناهية. علي الفنان وبالأخص المصور الفوتوغرافي أن يلاحق الحدث ويسجل اللحظة الحالية وإلا فرت منه لقطة الابداع وفورات الطبيعة في استثنائياتها الغرائبية في لحظات ما. توهج الحركة وتألق اللحظة تشد العين حيث يكرس المصور ذاته بحرية أكبر لتكوين صورة ناجحة ليس من جانب التقنية المستخدمة بل أيضا أن يكون الموضوع ذا محتوى يثير الاهتمام والاعجاب في آن. وعلى الصورة الفوتوغرافية ان تكون مثل اللوحة المرسومة تحمل فكراً وفلسفة.. ان تجسد معاناة أو سعادات.. أن تطرح رؤية وأن تنادي بقيمة خلقية ونفسية أي تكون زاخرة بالمعاني والمثل والجمال أيضا لأن الهدف الأول من التصوير هو تطويق العذوبة والرقة والبهاء الجمالي للبشر والأشياء، الصورة وسيلة مخاطبة البصر الذي هو حاسة توصيل اللون والفكرة والاحساس إلى القلوب والضمائر. نعود إلى الفنانة الأميرة ريم الفيصل التي استخدمت زخرفة العتمة والضوء كعامل مكمل للصورة ولم تكتف بتجسيد العناصر الضرورية التي تعني الموضوع ذاته بل زادت من خلال التلاعب بكل أبعاد اللون الواحد لتزيد عمق الرؤية.. الصعوبة في الصور ذات اللونين الأسود والأبيض ان الالوان الأخرى تبدو بعمق مختلف ويتدرج الأسود حسب اللون الموجود في الطبيعة أو الأشياء.. وهنا تبدت مهارة المصورة حين استفادت من تناقضات الظلال والاشراق وتبدى نور الصباح الناعم وظلال المساء الدافئة.