في المخطط الذي ورد «ص 42» عن الحكام السعوديين يلحظ ما يلي: أ العنوان محدّد بالفترة 1744 1818م، أي مدة الدولة السعودية الأولى. لكن المخطط ذكر فيه عبد الله بن ثنيان، وخالد بن سعود، ومشاري بن عبد الرحمن وهؤلاء أتوا الى السلطة خلال عهد الدولة السعودية الثانية. ب جعل مشاري بن عبد الرحمن حفيدا لسعود بن عبد العزيز. وهذا خطأ واضح. فمشاري ليس من ذرية محمد بن سعود، الذي هو جد سعود بن عبدالعزيز. ج لم يشر في المخطط الى مدة حكم عبد الله بن سعود مثلما أشير الى مدة حكم من أوردت أسماؤهم من الحكام. قالت المؤلفة الكريمة «ص 43»: «إن توسع القوات السعودية غرباً، وبصفة خاصة في الحجاز، وضعها في مواجهة شريف مكة. ورغم المقاومة العنيدة التي أبداها الحجازيون فقد بسط السعوديون هيمنتهم على الطائف في عام 1802 بعد ذبح أهلها وأهل مكة في عام 1803.» وعزت ذلك الى كتاب الدولة السعودية الأولى،،، لعبد الرحيم. وبالرجوع الى عبد الرحيم يتضح أنه كتب «ص 144» ما نصّه: « صدرت أوامر الدرعية الى قوادها في بيشة ورنية وغيرها بالمسير لمساعدة عثمان المضايفي، الذي كان قد انشق عن الشريف غالب وانضم الى السعوديين وتمكنت القوات السعودية من الاستيلاء على الطائف بعد هجوم صاعق عليها 1217ه/1802م، وفرار الشريف غالب منها بقواته صوب مكة». ثم تكلم في الصفحة التالية عن قيادة سعود بن عبد العزيز للقوات السعودية ومحاصرتها مكة عام 1218ه /1803م، وفشل الشريف غالب في الحصول على دعم أمراء الحج الذين كانوا موجودين في مكة، وانسحابه منها الى جدة، وختم ذلك بقوله «إن انسحاب الشريف غالب الى جدة أخلى السبيل أمام الأمير سعود ليدخل مكة ويعلن الأمان لأهلها». وبذلك يتضح ان المؤلف الكريم عبد الرحيم لم يقل: ان السعوديين ذبحوا أهل الطائف، وقال: ان سعوداً دخل مكة وأعلن الأمان لأهلها، فلم يشر الى حدوث قتال فيها، ناهيك عن أن يكون هناك ذبح لأهلها. ولا داعي للاعتماد على ابن بشر وأمثاله من الذين كانوا يؤيدون آل سعود، بل ولا الى كاتب منصف مثل عبد الرحيم، لتفنيد ما ادعي من ذبح لأهل مكة. ويكفي ان يرجع الى كتاب الرحالة، الذي سمّى نفسه علي بك العباسي، والذي كان شاهد عيان لدخول القوات السعودية الى مكة، ووصف دخولها بأنها كانت في غاية الهدوء والنظام وانه لم ينل أحداً منها أي أذى. ويمكن الرجوع، ايضاً الى كتاب بوركهارت الذي ترجم كاتب هذه السطور الجزء الذي تحدث عن دعوة الشيخ محمد وتاريخ الدولة السعودية الأولى تحت عنوان «مواد التاريخ الوهابيين» . وقد ذكر هذا الكاتب الرحالة «ص 91 من الترجمة»: «بعد ان يئس الشريف غالب من المقاومة غادر مكة مع المقربين اليه، حاملا معه كل أسرته وأثاثه بعد ان أحرق أثاث قصره الذي لا يسهل حمله. وذهب الى جدة. وتركت مكة لتلاقي مصيرها الذي ينتظرها. وفي صباح اليوم التالي ظهر زعماء سكانها ليذعنوا، أو على الأصح ليستسلموا لسعود دون قيد او شرط. ودخل هذا الزعيم البلدة في ذلك اليوم نفسه.. ولا يزال المكّيون يذكرون، عرفاناً بالجميل، الانضباط الممتاز الذي راعاه أولئك الوهابيون الأشداء عند دخولهم مكة، إذ لم يرتكب أي تعد على حقوق الناس». بل ان من الممكن الرجوع الى المؤرخ أحمد دحلان، الذي كان عدواً لدوداً للدعوة التي قامت على أساسها الدولة السعودية بحيث ألّف كتاباً بعنوان «الدرر السنية في الرد على الوهابية». فقد ذكر ذلك المؤرخ في كتابه خلاصة الكلام ج2، ص276 و 277 أنه عند مغادرة الشريف غالب مكة عيّن أخاه عبد المعين أميراً عليها، وأن هذا الأخير كتب الى سعود المحاصر للبلدة يطلب منه الأمان لأهلها، وأن يبقى أميراً لها مقابل دخولهم في طاعته. فتمّ هذا الأمر، ودخل سعود مكة محرماً، وقضى عمرته. ولم يشر الى حدوث ذبح من سعود وأتباعه لأهل مكة. إذا تبيّن كل هذا فإن من المناسب الحديث عمن كان السبب في حدوث العلاقات السيئة بين أشراف مكة وقادة الدرعية. إن من يقرأ ما كتبته المؤلفة الكريمة الدكتورة مضاوي الرشيد عن تلك العلاقات يخرج بانطباع مفاده ان قادة الدرعية هم البادئون بالعداوة والتوسع على حساب اولئك الأشراف. فما هي الحقيقة؟. لقد ذكر المؤرخ الحجازي أحمد دحلان، «أنه عند بداية ظهور دعوة الشيخ محمد وقف شريف مكة ضدها، وأصدر قاضي الشرع في هذه البلدة المقدسة فتوى بكفره، ومن ثم سجن أتباعه الذين كانوا قد أتوا الى مكة في عهد الشريف مسعود بن سعيد»، الذي انتهى عام 1165ه . ونتيجة لتلك الفتوى منع اولئك الاتباع من أداء الحج. واستمر المنع الى سنة 1184ه حين تولى الشرافة أحمد بن سعيد. ففي تلك السنة قبض السعوديون على مجموعة من الحجازيين كانوا قد توغلوا في نجد بقيادة الشريف منصور، وأحضروا الى الدرعية، فأطلقهم عبد العزيز بن محمد دون فدية. وكان أن عاد ذلك الشريف من مكة ومعه إذن لأتباع الدرعية بالحج. وفي العام التالي طلب الشريف أحمد قادة هذه البلدة ان يرسلوا اليه عددا من علمائهم ليشرحوا ما يدعون اليه. فبعثوا العالم عبد العزيز الحصين ومعه رسالة من الشيخ محمد الى الشريف أحمد تدل على حرصه على تحسين العلاقة بين الطرفين، وهذا نصّها: « بسم الله الرحمن الرحيم. المعروض لديك أدام الله فضل نعمه عليك حضرة الشريف أحمد بن الشريف سعيد أعزه الله في الدارين وأعز به دين جدّه سيد الثقلين أن الكتاب لما وصل الى الخادم «يعني الشيخ نفسه» وتأمل ما فيه من الكلام الحسن رفع يديه بالدعاء الى الله بتأييد الشريف لما كان قصده نصر الشريعة المحمدية ومن تبعها وعداوة من خرج عنها». وختمها بقوله: «إن أحق الناس بنصر دين الله وأولاهم أهل البيت الذين بعثه الله منهم وشرّفهم على أهل الأرض. وأحق أهل البيت بذلك من كان من ذريته، صلى الله عليه وسلم. وغير ذلك يعلم الشريف أعزّه الله ان غلمانك من جملة الخدام. ثم أنتم في حفظ الله وحسن رعايته». على أن الأمل في تحسن العلاقات سرعان ما زال بإبعاد الشريف أحمد عن الحكم سنة 1186ه . وبمجيء ابن أخيه سرور عاد منع أتباع دعوة الشيخ من الحج الى سنة 1197ه عندما تودّد قادة الدرعية الى ذلك الشريف وأهدوه هدايا ثمينة. وكان السماح لهم بالحج، فيما يبدو، سنة واحدة. واستمر المنع بعدها. ولم يكتف أشراف مكة بمنع أتباع الدولة السعودية من الحج وهذا بحد ذاته عداء كبير بل تحوّلوا الى حرب هؤلاء الأتباع عسكرياً، وذلك ابتداء من عام 1205ه . وظلوا يغزون نجداً حتى انتصر عليهم السعوديون عام 1210ه. وتحول ميزان القوة لصالح هؤلاء، فأصبح الأشراف في موقف الدفاع. وبذلك يتبين ان أشراف مكة هم البادئون بمعاداة دعوة الشيخ محمد والدولة السعودية. ولقد فصّل كثير من الدراسات هذا الموضوع. وممن تناولها كاتب هذه السطور في كتابيه «الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وتاريخ المملكة العربية السعودية». قالت المؤلفة الكريمة «ص 43» : ان العلماء الوهابيين طلبوا من الشريف غالب ان يهدم قبر الرسول وقبور الخلفاء ذات القبب حسب المذهب الوهابي. ولم تعز هذا القول الى أي مصدر. وكان جديراً ببحث علمي يذكر مسألة مهمة كهذه ان يعتمد على مصدر. وعلى أية حال فإنه لا يوجد في المصادر الموثوقة ما يثبت حدوث ذلك الطلب. ثم ان الشريف غالباً لم تكن له السلطة العليا في المدينةالمنورة لا قبل دخولها تحت الحكم السعودي ولا بعده. فكيف يطلب العلماء السعوديون منه هدم قبب على قبور فيها؟. وبعد أن تكلمت المؤلفة الكريمة عن دخول الحجاز تحت حكم الدولة السعودية الأولى، عام 1218ه /1803م، كما ذكرت «ص 43» واصلت حديثها قائلة: «شجع نجاح السعوديين في الحجاز توسعهم جنوبا الى عسير حيث تبنى زعماؤها القضية الوهابية، وانضموا الى قواتهم الزاحفة على اليمن..». ومن الثابت تاريخياً ان منطقة عسير دخلت تحت الحكم السعودي قبل دخول الحجاز تحت هذا الحكم. وكان للقائد عبد الوهاب أبي نقطة، الذي أصبح أميرا لقادة الدرعية على عسير، دور كبير في إدخال الحجاز تحت حكم الدولة السعودية الأولى. ولم تقتصر المؤلفة الكريمة على إظهار السعوديين الأوائل وكأنهم البادئون بالعداوة ضد أشراف مكة.. بل إنها أظهرتهم كذلك بالنسبة إلى علاقتهم بولاية العراق العثمانية. ذلك انها قالت «ص 43 44»: «وشمالا امتد التوسع السعودي الى المناطق الخصبة لبلاد النهرين مهدداً أمن البقاع الأكثر حيوية في الامبراطورية العثمانية. ففي عام 1801م أغار على مدينة كربلاء الشيعية المقدسة عشرة آلاف رجل على ستة آلاف جمل، وأسفرت الغارة عن تدمير مرقد الحسين، أكثر الأضرحة قدسية في التراث الشيعي». واعتمدت في الكلام السابق على جلوب باشا. وكان جديراً بها منهجياً ألا تعتمد على مثل جلوب المتوفى حديثاً في أمر تكلمت عنه مصادر معاصرة لحدوثه، ومن بينها كتب لعراقيين، مثل الكركوكلي وابن سند. على أن الأهم من الناحية المنهجية أن كلامها يفهم منه أن السعوديين قد أخذوا زمام المبادرة في الهجوم على العراق . فما هي الحقيقة؟. في عام 1201ه قام ثويني بن عبد الله، زعيم المنتفق، بالزحف على نجد التابعة لآل سعود حينذاك، وحاصر بريدة، لكنه لم ينجح في اقتحامها، وعاد الى العراق. ومع ان ذلك الزعيم كان عراقيا فان عمله للإنصاف لم يكن بأمر من والي العراق العثماني. لكن في عام 1211ه كلف ذلك الوالي زعيم المنتفق بقيادة حملة ضد الدولة السعودية الأولى، وزحف ذلك الزعيم بقواته، لكنه قتل في الأراضي السعودية قبل أن يبدأ القتال بينه وبين السعوديين. فعادت فلول تلك القوات الى العراق. وفي سنة 1213ه جهّز والي بغداد حملة أخرى بقيادة مساعده، علي باشا، فتوغلت في الأراضي السعودية، وحاصرت حاميات آل سعود في الاحساء، لكنها فشلت في اقتحامها، فتقهقرت ، وعمل صلح بين قائدها وسعود بن عبد العزيز، قائد القوات السعودية التي انطلقت من نجد لمهاجمتها. وفي عام 1215ه خلال فترة الصلح بين الطرفين قامت قبيلة الخزاعل العراقية بقتل حوالي ثلاث مئة رجل من أتباع آل سعود قرب النجف. وحاول الحاكم السعودي، عبد العزيز بن محمد بن سعود، أن يصل الى صلح مع والي بغداد كأن يدفع الأخير ديات القتلى، او يسمح لأتباع آل سعود من البادية أن يرعوا حيواناتهم غرب الفرات، فلم يستجب ذلك الوالي. ولما فشلت محاولات عبد العزيز رغم ان الشاوي الشخصية العراقية البارزة كان وسيطا لم يبق أمام عبد العزيز إلا الرد على العدوان بمثله، فجاءت الغزوة التي نتج عنها اجتياح القوات السعودية لكربلاء. وبالإمكان الرجوع الى كتاب «دوحة الوزراء في تاريخ وقائع بغداد الزوراء» لرسول الكركوكلي للتأكد من صحة ما قيل حول تلك الحوادث.