تحرص الدولة السعودية أيدها الله وأبقاها على الحفاظ على الضرورات الخمس التي جاءت بها الشريعة الاسلامية «الدين والنفس والعرض والعقل والمال». ومن منطلق الاهتمام الديني والسياسي والامني في هذا الجانب صدرت توجيهات صاحب السمو الملكي وزير الداخلية في كلمته التي ألقاها في أثناء افتتاح سموه المؤتمر الثامن لمديري المرور بالمملكة في بداية شهر رجب لعام 1407ه حيث وجه سموه دعوته للجميع للوقوف وقفة واحدة ضد أضرار المخدرات. فالمملكة وهي تحكم الشريعة الاسلامية السمحاء وهي المرجع والمخرج العصري للقضايا البشرية قاطبة سارعت الى وضع مشكلة انتشار المخدرات على الرئاسة العامة لادارات البحوث العلمية والافتاء والدعوة والارشاد وهيئة كبار العلماء. وكان الرد والموقف الديني الشرعي الموسوم برقم 1852/2 في 2/7/1407ه وقرار مجلس هيئة كبار العلماء رقم 138 في 12/6/1407ه بتحديد العقوبة الرادعة لمن يقوم بنشر المخدرات واشاعتها وتهريبها وترويجها. فكان هذا هو الاساس الديني الذي صدر بموجبه الامر السامي، المبلغ لكل من وزارة العدل ووزارة الداخلية رقم 4/ب/9666 في 10/7/1407ه القاضي بتحديد عقوبة المهربين والمروجين للمخدرات. والامر الذي يؤكده المسؤولون في الادارة العامة لمكافحة المخدرات انخفاض دخول المخدرات الى المملكة بنسبة تصل الى )40%( في تلك الفترة السابقة. فوزارة الداخلية وهي تتقدم في المسؤولية والجهد المضني في قضايا الأمن العام بوضع منطلقات امنية ثابتة ومن خلال اجهزتها الامنية المتعددة )كحرس الحدود ، مصلحة الجمارك، الادارة العامة لمكافحة المخدرات، اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات(، فلعل واحدة من ابرز المهام القيام ببرامج الوقاية الوطنية من المخدرات والتي تقوم بها وبشكل مكثف اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات. ونظرة سريعة وتقديرا لهذه الادارة وجب توضيح ما تقوم به رغبة في تعريف المواطن بالواجبات المنوطة بهذه اللجنة سعيا الى التطوير ومد العون والمساعدة بين اللجنة والمؤسسات الحكومية والاهلية وشركات التمويل والمواطنين بشكل عام. اولاً: البعد التعريفي والتثقيفي: تقوم اللجنة بدور التعريف والتثقيف لافراد المجتمع وتوعيتهم بأضرار المخدرات وذلك بالتنسيق مع الاجهزة الاعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية او عقد الندوات والمحاضرات واقامة المعارض وتوزيع الكتيبات الارشادية والتوجيهية واعداد المقالات التوعوية إيمانا بالدور الاعلامي الامني وعدم ترك المواطن وحده لا يفقه ماذا يدور حوله من أخطار عصرية متوقعة تحقيقا لمبدأ الوقاية. ثانياً: الندوات: اقامت اللجنة الوطنية ندوة بعنوان «اخطار المخدرات على الشباب» في تاريخ 5/6/1407ه ، نظمتها اللجنة بالتعاون مع الاتحاد العربي السعودي للطب الرياضي ودعت الى ذلك أساتذة متخصصين واطباء ومسؤولين من مختلف الإدارات والمؤسسات الحكومية والتعليمية. وهذا ما يؤكد حسن التصرف بأهمية التأسيس العلمي في المكافحة الامنية واهمية الدمج بين العلوم الأمنية والعلوم الاخرى النفسية والاجتماعية والاعلامية وغيرها. كما ان الندوة الشاملة لدراسة آثار عقوبة الاعدام لمهربي المخدرات والمستندة على برقية وزير الداخلية رقم 30/60315 بتاريخ 7/8/1407ه التي نظمتها الرئاسة العامة لرعاية الشباب مع الادارة العامة لمكافحة المخدرات واللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات في الفترة من 711/9/1408ه طرحت ثمانية أبحاث حول أضرار المخدرات وحكم تحريم المخدرات في الاسلام ألقاها عدد من اساتذة الجامعات بالمملكة وتشرفت الندوة برعاية سمو وزير الداخلية. ثالثاً: النشاطات الخارجية: لا يخفى على اللجنة الوطنية مناشدة الكتاب والمفكرين والمواطنين بالمساهمة سواء بالمعلومة او التوجيه او التوصيات وبالمقابل تغتنم اللجنة فرصة الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة المخدرات والمهرجان الوطني للتراث والثقافة في عملية التوعية. رابعاً: البحث العلمي: نظمت اللجنة ما يقارب أربع مسابقات بحثية بالتعاون، وقد أحسنت التصرف، مع جامعة الملك سعود وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وقد لقيت نجاحا عظيما. خامساً: العنصر النسائي: لم تتجاهل اللجنة العنصر الكبير ونصف المجتمع المرأة حيث قامت بالتعاون مع جامعة الملك عبدالعزيز بجدة وجامعة الملك سعود بالرياض وجامعة الملك فيصل بالدمام بتنظيم وتنفيذ عدد من الدورات النسائية لتوعية المعلمات بأضرار المخدرات ليقمن بدورهن بتلقين طالبات المرحلتين المتوسطة والثانوية ومحو الامية، فضلا عن تنفيذ اللجنة )18( دورة للمعلمات والموجهات التربويات منذ عام )1409ه(. سادساً: البرامج الإذاعية والتلفزيونية: قامت اللجنة بتمويل وتنفيذ مسلسل درامي بعنوان «عندما ينقشع الضباب» والذي يوضح أضرار المخدرات على الفرد والمجتمع. نفذت مشروعاً من خمس وعشرين فقرة في التلفزيون السعودي )دقيقة واحدة لكل فقرة( في عام 1401ه توضح أضرار المخدرات وكيفية الابلاغ عن مروجي المخدرات. برنامج تلفزيوني بعنوان «القضية والرأي» تناول آراء كبار رجال العلم والفكر والادب العربي في قضية المخدرات. تصدر اللجنة بالتعاون مع الادارة العامة لمكافحة المخدرات مجلة ربع سنوية باسم المكافحة: )000،12( نسخة توزع في الداخل و )3000( في الخارج على الرحلات الدولية عبر الخطوط الجوية العربية السعودية، تهدف الى التبصير بالاخطار المحدقة من آفة المخدرات. سابعاً: الحملات الاعلامية التوعوية: اشرفت اللجنة اعلاميا على مشروع قافلة التوعية السعودية بأضرار المخدرات )الاولى( والتي هدفت الى تثقيف الشباب بأخطار المخدرات. ولم تغفل اللجنة إشراك جهات حكومية وغير حكومية في برامجها ومطوياتها ونشراتها وكتيباتها والتي خرجت بانطباع جيد جداً من قبل المقيمين والمواطنين. ثامناً: برنامج الرعاية اللاحقة: لاهمية هذا الموضوع وجب توضيح مفهوم الرعاية اللاحقة قبل الشروع في دور اللجنة الوطنية حوله. ذكر الدكتور عبدالفتاح عثمان حول «نموذج عربي للرعاية اللاحقة للاحداث في الوطن العربي )1402ه(: ان مفهوم الرعاية اللاحقة كما اصطلح عليه علماء الخدمة الاجتماعية هو ترجمة المصطلح Aftcrcarc كما اوردته المراجع الامريكية ومصطلح Followup كما تلح عليه المراجع الانجليزية، وPour Suivre في المراجع الفرنسية. ولتعدد التعاريف فان التعريف الذي قدمه عالم الخدمة الاجتماعية الاستاذ ستروب Stroup استاذ الخدمة الاجتماعية في جامعة كولومبيا Columbia إنها: عملية علاجية مكملة للعلاج المؤسسي للاحداث الجانحين المفرج عنهم تستهدف استعادة الحدث لقدرته على ادراك مشكلاته وتحمل مسؤولياته لمواجهتها في بيئته الطبيعية ليحقق أفضل تكيف ممكن مع هذه البيئة. فاللجنة الوطنية وهي تدرك تماماً ان العنصر البشري للرعاية اللاحقة حجر الزاوية في نجاحها نجاحا كاملا او نسبيا، فقد تبنت برنامجا ربما هو الاول من نوعه في العالم العربي. وكان المبدأ الموجود في ذهن القائمين على الرعاية اللاحقة هو أنها الجزء الاساسي المكمل للعملية العلاجية والوسيلة العلمية لتوجيه المتعافى وارشاده ومساعدته على سد احتياجاته ومعاونته على الاستقرار في حياته والاندماج والتكيف والتوافق مع المجتمع وهي بالمقابل امتداد لعملية العلاج وتتم في البيئة الطبيعية. واهتمام اللجنة واحتضان وتوظيف ورعاية المتعافين قد بدأ منذ عام 1415ه. وكانت البداية ابتعاث ثلاثة من الاشخاص التائبين للولايات المتحدةالامريكية ليتلقوا دراستهم في مجال العلاج والارشاد ضد الادمان على نفقة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد )يرحمه الله( وتم بالفعل تخرجهم وتطبيق البرنامج بما يتفق مع الشريعة الاسلامية والعادات والتقاليد في كل من مدينة الرياض ومحافظة الدمام وبعد نجاحه تم تطبيقه في جدة والقصيم عام 1418ه. كما أن اللجنة رأت التعاون مع مستشفيات الامل بالمملكة بإدخال الشباب الراغبين في الشفاء من الادمان في هذا البرنامج الذي أدى الى ضمان عدم انتكاستهم وعودتهم للادمان مرة اخرى حيث تشير الاحصائيات إلى أن ما حققه البرنامج تعافي اكثر من )2183( في المملكة الامر الذي جعل التنسيق مع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بتعيين وتوظيف بعض المتعافين في مجال الخدمة الاجتماعية وكذلك في وزارة الصحة للعمل في مستشفى الامل في الرياضوجدةوالدمام والقصيم. الجدير بالايضاح ان بعض دول الخليج استعانت بمجموعة من هؤلاء المتعافين للاستفادة من عملهم كمرشدين يعملون في مجال علاج المدمنين وما زال البعض يعمل حاليا في المراكز العلاجية المتخصصة. وبالتنسيق مع وزارة الصحة فقد خصص )32( من المرشدين في التوعية ونشر الوعي بين افراد المجتمع )المدارس والجامعات والقطاعات العسكرية والاندية الرياضية(. كما تعمل اللجنة بصرف مكافآت للمشاركين في التوعية فضلاً عن اللقاءات معهم للتعرف على ما يعترضهم من مشكلات أو ما يقدمونه من مقترحات يمكن الاسهام في إنجاح البرنامج وتطويره. ولا شك ان قضية المخدرات من القضايا التي تتطلب ليس القائمين والعاملين في اجهزة امن الدولة فقط بل المسؤولية والامن العام مسؤولية الجميع. والدليل على ذلك هو ما جاءت به الاهداف العامة والاسس الاستراتيجية لخطة التنمية السابعة 2000/2004م حيث جاء الهدف العام الثاني: «الدفاع عن الدين والوطن، والمحافظة على الامن والاستقرار الاجتماعي للبلاد..» والاساس الاستراتيجي الاول «في تدعيم وجود نظام دفاعي وامني واق..» واذا كان من يقلل من دور اللجنة الوطنية بحجة ان هناك جماعة «المدمنون المجهولون» واستقطابها وجذبهم الى برامجها فان هذا لا يلغي الدور الذي تقوم به اللجنة ومستشفيات الامل بل قد يجعل التنسيق بين العمل الحكومي والعمل التطوعي او الخيري او المؤسسات او الشركات التجارية مجموعة واحدة لخدمة واحدة ولهدف واحد. ولعل من المناسب هنا ان تتبنى اللجنة مؤتمرا محليا او خليجيا او عربيا لمناقشة موضوع الرعاية اللاحقة بين النظرية والممارسة تكون مواضيعها حول البناء النظري للرعاية اللاحقة )من تخطيط وعملية ووضع اسس المهارة الخاصة والتنظيم المؤسسي والاساليب العلمية( لمكافحة المخدرات ورعاية لاحقة عصرية.