كم هو مؤلم ان يستصغر أحدنا غيره أو أن يُستصغر من قبل غيره!! فان كان هو المستصغر لغيره فهو متكبر معجب كل العجب بنفسه، وان كان هو المستصغر من قبل غيره فهو قد تأذى وقطع في الغالب حبال الوصل مع من استصغره وحقّره!! لذا استصغار المسلم من كافة الجوانب والوجوه ضررمحقق لا مرية فيه!! وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )يا نساء المسلمات، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة( متفق عليه وفرسن الشاة حافرها، واحتقار الآخرين وازدراؤهم يتفشيان تبعا لحالة الفرد والمجتمع من ناحية قوة الارتباط بتعاليم الدين الحنيف فكلما ابتعد الفرد والمجتمع عن تعاليم الدين تفشت ظاهرة احتقار الآخرين وازدرائهم وكلما اقترب الفرد والمجتمع من تعاليم الدين ندرت هذه الظاهرة من الاحتقار للآخرين من السخرية بأنسابهم وبصورهم وهيئاتهم وبوضعهم المادي فمن المؤسف والمؤلم أيضا ان تغمز المرأة القصيرة لا لشيء الا لقصرها او الذميمة لخلقتها او البدينة لبدانتها!! انه داء فتاك يفتك بحبال الود فيقطعها اربا اربا وبالصلات الاجتماعية والروابط الاخوية فيذيبها كما يذوب الملح في الماء، بل ان احتقار الآخرين ولو بما نراه ونعده يسيرا من القول او الفعل يفسد فسادا لا يتصوره احد منا، فها هي عائشة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم «حسبك من صفية كذا وكذا تعني قصيرة فقال عليه الصلاة والسلام: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته» حديث حسن صحيح. ياليت شعري ماذا يقول الناس اليوم؟! والمحتقر للناس هو في الواقع مفلس ولو كان متخما بالدريهمات فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال: ان المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل ان يقضى ما عليه اخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار»رواه مسلم. نعم لقد أفلس من الحسنات ولو انه في الدنيا من اهل الصلاة والصيام والزكاة وسائر الطاعات!! وماذا لو فعل ذلك وهو في الدنيا من اهل الاعراض والبعد عن الدين؟! ان ذلك الافلاس بمثابة الكارثة التي لا تعوض لانه افلاس في وقت لا تعويض فيه!! نحن بشر نغفل وننسى وتتجاذبنا الاهواء فنعمل كما عمل ذلك المفلس ولكن ما اجمل التوبة من الذنب وما دامت متعلقة بحق آدمي فلها اربعة شروط: هي الاقلاع والندم والعزيمة على عدم العودة الى الذنب وتمكين من ظلمته او ضربته او اغتبته وغير ذلك من نفسك وطلب العفو منه والدعاء له. قال الشاعر: كأنك لم تسمع بأخبار من مضى ولم تر في الباقين ما يصنع الدهرُ وهل أبصرت عيناك حيا بمنزل على الدهر الا في العراء له قبر فلا تحسبن الوفر مالا جمعته ولكن ما قدمت من صالح وفر مضى جامعو الاموال لم يتزودوا سوى الفقر يا بؤسا لمن زاده الفقر فحتام لا تصحو وقد قرب المدى وحتام لا ينجاب عن قلبك السر بلى سوف تصحو حين ينكشف الغطا وتذكر قولي حين لا ينفع الذكر فصبرا على الأيام حتى تجوزها