في محراب الإلهام عنت لي ذكراك، وتراءى أمام ناظري طيفك، وأحسست بالشوق إلى أن أمسك بك، وأملي عليك خواطري وإلهاماتي. من زاوية محرابي الصغير بعثتُ إليك بهمساتي، وأذبت على جدرانه كلماتي. رسمت بك شعاع الأمل، وبريق السعادة، وفتحت نافذة جديدة لحياة كلها نور وضياء، وسعادة وهناء. لقد كنت مؤنس وحدتي ورفيق غربتي، قصتي معك قصة طويلة غريبة، قد لا يعيها أصحاب العقول الصغيرة، قصة بدأت بكلمة وانتهت بمجد، إنها قصة المجد الذي شيدته الكلمات وبنته الجمل. قصة سحبت خيوطها أحاسيس غربة مؤلمة، ولونت كلماتها دموع فراق قاتلة. هي حكاية الليل الطويل الذي لم تشهد سماؤه - قط - ضياء قمر أو شروق شمس. والبحر الهائج الذي لم تهدأ امواجه او تستكين فتاهت في غيباته سفينة الاحلام، وانقطع الامل، فلم يبق على شاطئ الغد احد سواك. فيا أيها الفارس الهائم في فلاة القرطاس كفاك تمرداً وطغياناً، وارحم صاحبة دربك ومسيّرة حظك، ولتعلم اني ما قصرت يوماً في خدمتك، وكيف لي ان اقصر في ذلك او ان انسى ايام عمري معك، وفي داخلي شوق لك لا ينطفئ، كشوق الصحراء للمطر، وشوق الأسير للوطن. أيها العود الأجوف الرقيق : يا هائماً في دنيا من السحاب الابيض، ومقيماً على رفوف من الذكرى. لقد حملت لك في داخلي الكثير من الود والتقدير، فانت عندي كدموع العين للحزين، ونبض القلب للمتألم. فهنيئاً لكل من اعطى القدرة على ان يمسك بعنانك، وينظم كلماتك. والشقاء لكل من لم يستلذ بجمالك، ويسير في طريقك طريق وحي القلم. وأخيراً : فما هذه المناجاة إلا من بوح كلماتي، وخلجات نفسي فليقذف بها في أعماق البحار من لم يشعر بها، وليدفنها تحت شجرة السرو الباسقة، او بين ازهار الربيع اليانعة، من لم يناج قلمه، ولو لمرة واحدة من عمره الأدنى. أمامة بنت عبدالكريم السمك