قال الزمخشري: الحمار مثل في الذم الشنيع، والشتيمة، ومن استحيائهم لذكر اسمه كانوا يكنون عنه، ويرغبون عن التصريح به، فيقولون: الطويل الأذنين، ونحو ذلك، كما يكنون عن الشيء المتعذر، كما كانوا يعدون من سوء الأدب أن يذكر الحمار في مجلس قوم ذوي مروءة، ومن العرب من كان لا يركب الحمار استنكافاً، وإن بلغت به الرحلة الجهد. وقد وعدنا بمواصلة إيراد الأمثال فيه فلنمض في ذلك: 10 «جاء بقرني حمار»: «مجمع الأمثال 1/167». ويُضرب في الذي يجيء بالكذب والباطل وذلك أن الحمار لا قرن له، فكأنه جاء بما لا يمكن أن يكون. 11 «إن ذهب عير، فعير في الرِّباط»: الرباط: «الحبل الذي تربط به الدابةُ، وسميت الخيل رباطا لأنها تُربط في الثغر بإزاد العدو، ويربط العدو بإزائها خيله، يُعدّ كلٌّ لصاحبه، وفي التنزيل: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل» «الأنفال 60» ولكنه هنا يعني حبالة الصائد. مورده: أصله أنه قيل لأحد الصيادين فاته بعض ما كان يريد أن يصيد، وأسف لذلك، فهم يقولون له: ذهب بعض صيدك فلم يعلق في الحبالة فاقتصر على ما علق. مضربه: يضرب في الرضا بالحاضر وترك الغائب «اللسان/ مادة عير. وجمهرة الأمثال 1/92». 12 «أخلى من جوف حمار»: ويقال أيضاً: «أخرب من جوف حمار» مورده: قال الميداني «1/257»: قال ابن هشام الكلبي: هو رجل من عاد، والجوف: وادٍ كان يحله، ذو ماء شجر، «الجوف: من أسماء الوادي، فكل وادٍ هو جوف»، فخرج بنوه يتصيَّدون، فأصابتهم صاعقة فأهلكتهم، فكفر، وقال: لا اعبد رباً فعل ذا ببنيَّ، ثم دعا قومه إلى الكفر، فمن عصاه قتله، فأهلكه الله وأخرب واديه، فضربت العرب به المثل في الخراب والخلاء، وأكثرت الشعراء ذكره في أشعارهم، كقول بعضهم: وبشؤم البغي والغَشْم قديماً ما خلا جوف، ولم يبق حمار وقال غيره: ليس حمار ها هنا اسم رجل، بل هو الحمار بعينه، واحتج بقول من يقول: «أخلى من جوف العَيْر»، قال: ومعنى ذلك أن الحمار إذا صيد لم يُنْتَفع بشيء مما في جوفه، بل يُرمى ولا يؤكل، فجوف الحمار عندهم بمنزلة الوادي القفر الذي لا منفعة للناس والبهائم فيه، قال امرؤ القيس: ووادٍ كجوف العَيْر، قفرٍ، مضِلّةٍ قطعتُ بِسامٍ، ساهِم الوجه حسَّانِ مضربه: قال في اللسان: يقال للموضع الذي لا خير فيه. 13 «العَيْر يضرط والمِكْواةُ في النار»: وفي مجمع الأمثال «2/95»: قد يضرط العير، والرمضاء في النار، فهو شطر بيت من بحر البسيط. مورده: أول من قال ذلك عُزفُطة بن عَرْفجة الهِزّاني، وكان سيّد بني هِزّان، وكان معاصراً لسيِّد بني عُكل/ حصين بن نَبِيت العُكْلي، وكانت بين القبيلتين حروب وثارات، وسادرت عكل ذات مرة تريد غزو بني هِزّان، فنذِرت بها هِزّان واستعدت، فاقتتلوا قتالا شديداً، حتى فشت فيهم الجراح، وقُتل رجل من هِزّان وأُسِر رجلان من عُكْل بعد أن انهزمت وقال عُرفطة للأسيرين: أينَما أفضل لأقتله بصاحبنا؟ ويفادَي الآخر؟ فجعل كلٌ منهما يخبر أن صاحبه أكرم منه، فأمر بقتلهما جميعاً، فقدَّم أحدهما للقتل فجعل الآخرُ يضرط، فقال عُرفطة هذا المثل، لأن الحمار من شأنه أن يضرط إن إذا قدّم للكيّ، والمكواة ما تزال في النار لم تَطُله. مضربه: يضرب للرجل يخاف الأمر، فيجزع قبل وقوعه فيه. 14 «قرِّب الحمار من الردهة، ولا تقل له: سَأْ»: الردْهة: مستنقع الماء، سَأْ: كلمة يزجر بها الحمار ويدعى للشرب، يقال: سأسأتُ بالحمار، أي دعوته ليشرب. مورده: واقعة حمارية استدعت هذا القول، ومعناه: كِلِ الأمر إليه، ولا تكرهه على فعله إذا أريت ما يصلح له. مضربه: يضرب للرجل بعلم ما يصنع «الميداني 2/94». 15 «قبل عير وما جرى»: مورده: قال الميداني «2/96»: قال أبوعبيد: إذا أخبر الرجلُ بالخبر من غير استحقاق ولا ذكر له، قيل: فعل كذا وكذا، قيل عيْر وما جرى، قالوا: خص العَيْر لأنه أحذر ما يُقنص فهو أسرع جرياً من غيره، فضرب به المثل في السرعة، فمعناه كما قال الأصمعي قيل أن يجري العير، وهو الحمار. مضربه: يضرب لشدة السرعة. 16 «وقد حيل بين العَيْر والنزوان»: مورده: قال الميداني «2/96»: أول من قال ذلك صخر بن عمرو أخو الخنساء، وذلك أنه طعنه أبو ثورٍِ الأسدي في إحدى حروبهم، وهي الطعنة التي مات منها، بعد أن لبث حولاً كان مريضاً، حتى ملته امرأته سلمى: وكان قبلُ يكرمها، فقال في أبيات مطلعها: أرى أمّ صخر لا تملُّ عيادتي وملّت سليمى مضجعي ومكاني فأيّ امرئ ساوىَ بأم حليلةً فلا عاش إلا في شقىً وهوان أهمُّ بأمر الحزم لو أستطيعه وقد حيل بين العَيْر والنزوان ثم مات من أثر تلك الطعنة. مضربه: يضرب لكل من حيل بينه وبين ما يريد.