عندما يأتي التقدير العلمي والادبي في مكانه وزمانه يكون له طعم خاص ومذاق متميز يلونه بلون المناسبة السعيدة التي جاءت وأوجدته، والاحتفاء بالأستاذ الدكتور منصور الحازمي عند فوزه بجائزة قيمة مثل جائزة الملك فيصل العالمية، احتفاء في حقيقة الامر بالابداع لذاته ولشخص المبدع الذي توج جهده بتقدير مجتمعه وأمته له, واذا كان هذا هو المعنى الذي لا يختلف عليه الناس في منح الجوائز الادبية والعلمية لمستحقيها فان خصوصية فوز منصور الحازمي بهذه الجائزة الكبيرة والقيمة له دلالة اخرى وصلة قوية في مسيرة الابداع الادبي في الجزيرة العربية منذ النهضة المباركة التي تعيشها بلادنا ثقافياً وفكرياً اذ تبرز جهود منصور الأدبية من خلال وعيه المبكر لرسالته الادبية الواضحة وهي رسالة توجهت الى ملاحقة الابداع الادبي ودراسته محلياً وعربياً حيث كرس جهده ووقته وقدراته العلمية للنهوض بالمنهج النقدي وملاحقة الابداع أولاً بأول ومتابعة نشاط المبدعين ودراسة الانتاج الذي يقدمه ابناء هذا الوطن ويشاركون فيه اشقاءهم في الوطن العربي الكبير. اتخذ منصور من موقعه في الجامعة مكاناً صالحاً لربط مرحلتين مهمتين لمنهج الادب في المملكة خاصة وتعايش معهما محللاً ودارساً وناقداً يعي رسالة الاديب ومواضع النقد,, تينك المرحلتين هما نشأة ادب الصحافة في المملكة بعد توحيدها واجتماع اطرافها وقيام الرواد والاوائل ولاسيما في صحافة الحجاز بنشر انتاج ادبي ونقدي غزير في صحافة الافراد في تلك الحقبة فجعل وكده الى دراسة مرحلة تأسيسية خطيرة في تاريخنا الادبي حين توجه الى الصحافة بصفتها مصدراً للادب وأوعية للنشر المتاح وكان جهده البارز قد تمثل في دراسة مانشر في صحيفة ام القرى وفهرست حيث قدم عصارة فكره وجمع مادة كبيرة وجعلها بين ايدي القراء في كتاب واحد هو جهد قد مضى فيه عقد او عقدان من الزمان حتى اجتمع بين دفتي كتاب. اما المرحلة الثانية فهي مرحلة التجديد التي اعقبت مرحلة التأسيس كما يسميها الناقد الكبير منصور الحازمي وكان هو في هذه المرحلة مشاركاً فيها ومبدعاً في الشعر والقصة والمقالة وناقداً في نفس الوقت كانت مرحلة التجديد هي اخصب فترة مرت بها رحلة الأدب والابداع في بلادنا وشارك فيها كوكبة كبيرة من الذين تأصل في ابداعهم الحس الادبي الرفيع والذوق المرهف ومن حسن حظ الادب ان يكون منصور صاحب ذائقة ادبية متميزة اضافت الى جمال الادب مهارة الذوق واصالة المعرفة وقد استطاع ان يميز في هذه المرحلة من مشواره الابداعي بين قدرته ناقداً ذواقاً يميل الى الرفق وينادي بالاصلاح وبين قدرته الابداعية حين يعالج الأدب نثراً او شعراً فيغلب طبع الاديب اداة الناقد حين يميل الى السخرية الجميلة والنكتة اللاذعة والتصوير المركب فأبدع واصبحت اعماله مدرسة يقلدها الكثير من طلابه ومحبي ادبه سواء اولئك الذين تتلمذوا على يديه في الجامعة التي اتخذها ركناً أميناً ومكاناً حصيناً لابداعه أو من تتلمذ عليه من القراء الذين تابعوا انتاجه الغزير في كل فنون الأدب. كل هؤلاء التلاميذ والقراء الذين اسعدهم منصور وملأ خيالهم بالابداع الادبي او تدرج معهم في مدارج النقد كانوا يتطلعون الى فوزه في جائزة الجوائز ويرجون ان تكون الجائزة له في كل عام، وقد تحققت آمالهم واستبشروا بفوزه وفرحوا به اكثر من فرحه واستبشاره. مرة اخرى نكرر اننا نحن تلاميذ منصور واصدقاءه نشعر ان الفوز بالجائزة هو فوز لنا وفوز للابداع الرصين الذي لا يتملق ولا يتوسل بغير وسائل الاصالة وكانت جائزة الملك فيصل العالمية تضيف في كل مناسبة تمنح فيها جوائزها رصيداً ضخماً لنزاهتها واستقلاليتها ووضعها الجائزة في مكانها الذي تستحقه، فشكراً لها ولكل الذين يقدرون الابداع ويرعونه. * أستاذ الأدب في قسم اللغة العربية كلية الآداب جامعة الملك سعود