ها هي الجنادرية السادسة عشرة، تمر بنا والوطن بكل مواطنيه والمقيمين فيه، يحتفلون بها، ويتفاعلون معها منذ يومها الأول، رغم ان موعدها هذا العام تضارب مع مواعيد الاختبارات, فقد اصبحت الجنادرية حدثاً سعودياً بل عربياً ينتظره الجميع في داخل المملكة وخارجها. لقد اجمع كل المراقبين والمتابعين لفعاليات المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) ومنذ انطلاقته قبل عقد ونصف من الزمن، انه قد احدث نقلة نوعية رائعة في الصورة الذهنية التي يحملها الكثير عن المملكة وعن الحرس الوطني ومنسوبيه، فلقد كانت الصورة الذهنية المرسومة في عقول الغالبية المثقفة من سعوديين وغيرهم، ان الحرس الوطني عبارة عن دار للرعاية الاجتماعية لابناء البادية، وانها بكل وحداتها وفرقها نموذج حي للبطالة المقنعة، التي تتواجد عينتها في الكثير من الدول النامية والعربية على وجه الخصوص. قلبت الجنادرية الصورة الذهنية رأساً على عقب، إذ تبين للجميع في الداخل وفي الخارج ان مؤسسة الحرس الوطني مؤسسة من نوع آخر بل يمكن ان يقال انه لا مثيل لها في مواقع كثيرة من قارات الكرة الأرضية، وان رجالات هذه المؤسسة عسكريين ومدنيين قادرون على اعطاء النموذج المثالي للمواطن السعودي القادر بتوفيق الله ثم بدعم قيادته له على الابداع بل على كل أنواع الابداع وفي كل المجالات. جاءت حرب الخليج الثانية بل حرب تحرير دولة الكويت كما يجب أن تسمى لتؤكد جدارة الحرس الوطني وقيادته في المجال العسكري، وبالصدفة كانت هذه الحرب خلال فترة المهرجان, أما المجالات الثقافية فقد قدم الحرس الوطني للأمة السعودية وللوطن خدمات سوف يذكرها التاريخ والمؤرخون على مدى الدهر، ولعل احدى أهم تلك الخدمات الرائعة تتمثل في المحافظة على تراث المملكة الثري جدا من الاندثار مع مرور الزمن. كما ساهمت جنادرية الحرس الوطني في جمع التقاليد والعادات الشعبية في بلادنا المترامية الاطراف تحت خيمة واحدة بحيث يتمكن فيها ابناء الوطن الواحد من التعرف على ما كان سائداً في كل ارجاء الوطن, ومع هذا وذاك فقد قدمت الجنادرية لجيل الحاسوب والانترنت صورة حية لما كان عليه جيل الآباء والأجداد، ورسمت الجنادرية رسما واقعيا للأوضاع التعليمية والاقتصادية والاجتماعية للشعب السعودي وللأرض السعودية قبل بزوغ فجر عبدالعزيز رحمه الله. وعلى المستوى العربي والعالمي قالت الجنادرية للجميع هذه هي المملكة العربية السعودية أرض الرسالات، وهذا هو شعبها، حيث احترام الرأي والرأي الآخر، وحيث لا مكان للشعارات الزائفة، وحيث نترك دائماً الأعمال تتحدث عن نفسها، وحيث تمارس وحدة الصف العربي والإسلامي والإنساني بكل وضوح ودون إتاحة أي مجال للاساليب الملتوية والغوغائية. لقد كان بعض الاخوة العرب يرسمون صورة مشوهة للإنسان السعودي على وجه العموم وجاء هذا المهرجان السنوي ليساهم مساهمة فعالة في اعادة رسم صورة الإنسان السعودي في أذهان أشقائه من المثقفين العرب، وليعلن لكل ضيوفه ومتابعيه من عرب وعجم ان هذا هو الإنسان السعودي وكيف كان ثم كيف أصبح، كما كشفت سلسلة مهرجان الجنادرية العلاقة الحميمة بين قادة هذا الوطن والشعب، وكيف أنها علاقة بعيدة كل البعد عن كل أنواع الزيف والتصنع. تحية لحرسنا الوطني ولقيادته ولرجاله وإلى اللقاء في جنادريات الأعوام القادمة، والتي سوف تشهد المزيد من التطوير والتحسين، من أجل اكتمال الصورة الحقيقية لوطننا العزيز ارضاً وإنساناً.