تحفل الذاكرة الشعبية بالعديد من الأبيات الشعرية الخالدة بالأذهان؛ لجمالها وروعتها، وتظل هذه الأبيات بمثابة البصمات الفنية التي تُرسخ لاسم الشاعر في المشهد الشعري، بل ربما أن بعض الأبيات التي لاقت رواجاً واسعاً بين الناس، وتناقلها رواة الشعر ومحبوه، قد تحظى بشهرة تضاهي كل ما كتبه الشاعر، ولن أكون مبالغاً إن قلت إن بعض الشعراء ارتبطوا بأبيات معينة، ليس لأنهم لم يقولوا أجمل منها، أو لم ينجحوا في تجاوزها؛ ولكن لروعة هذه الأبيات وكونها أصبحت تعبر عن لسان كل من يمر بظرف كتابتها؛ فمثلاً ما أن يمر ذكر الشيخ الشاعر راكان بن حثلين وهو أحد فحول الشعر الكبار، إلا ويحضر بيته الشهير: يا محلا الفنجال مع سيحة البال في مجلس ما فيه نفس ثقيلة هذا ولد عم وهذا ولد خال و هذا رفيق ما ندور بديله غير أني هنا، لا أريد أن تحدث عن أبيات الشعراء المشاهير، كحالة شاعرنا الشيخ راكان بن حثلين - رحمه الله - لأنهم أخذوا حقهم من الذيوع والانتشار، ولقي شعرهم حظاً وافراً من العناية والاهتمام، كما أن الأبيات التي ارتبطت بالشعراء المشاهير كثيرة، ومن هنا فضلت أن أخصص هذا الموضوع، لشعراء كبار ومميزين حقاً، واشتهرت لهم أبيات رائعة خلدت لإرثهم الشعري، إلا أن الإعلام لم ينصفهم، أو على الأقل لم يحضوا بالاهتمام الذي يوازي ما قدموه من شعر جميل وراق، فهناك أبيات شعرية لشعراء مبدعين، وكثيراً ما يتمثل بها الناس في مختلف مناسباتهم، إلا أن قائلي هذه الأبيات ظلوا في طي النسيان، بل ربما أن هناك من ينسب هذه الأبيات لغيرهم تجنياً أو جهلاً، فيزيد بذلك من وقع الظلم على هؤلاء الشعراء المميزين.. وحسناً فعل برنامج شاعر المليون، في نسخته الرابعة، عندما طلب من الشعراء مجاراة بعض القصائد الجميلة في تراثنا الشعري، وكان من ضمن القصائد المختارات، أبيات في غاية الروعة، وتعد من البصمات الشعرية المميزة، للشاعر علي إبراهيم الأيدا - رحمه الله - فهذا الشاعر من فحول الشعر الشعبي، غير أنه لم ينصف إعلامياً، وأما أبياته الذائعة الصيت التي تم اختيارها لتجاريها الشاعرة المبدعة مستورة الأحمدي، فهي قول الأيدا: الزين مثل الحيا متبوع لو ماتلا الناس يتلونه و الشين مثل المحل مقطوع يمشون لياما يتعدونه وهي الأبيات التي أبدعت الشاعرة مستورة الأحمدي في مجاراتها باقتدار، وبقي أن أقول: إن الشاعر علي إبراهيم الأيدا أنصفه الشعر، ولم ينصفه الإعلام، وما كان اختياري لهذه الأبيات إلا لشهرتها، وإلا فإنه يرتكز - رحمه الله - على تراث شعري كبير، وهو صاحب تجربة شعرية جميلة ومميزة، وبالمناسبة فإن ابنه راكان علي الايدا تأثر بشاعرية والداه، وقد قرأت له العديد من القصائد التي تزخر بالمضامين الفنية الرائعة.. ومن الأبيات التي ذاع صيتها أيضاً، ولم ينصف قائلها، قول الشاعر الراحل عبدالله بن فرحان منقرة: تلحق على بعض الرجال الملامة اللي بمشيه ما يقدي مواطيه اللي يتيه بليل عذره ظلامه واللي يتيه الصبح وش يعتذر فيه وهذه الأبيات تحمل معنى جميلاً، وحكمة غاية في الروعة، تعكس تلك الخبرة الحياتية للشاعر، وتبرهن على قدرة الشاعر لديه في الكتابة الإبداعية المتجاوزة. وفي ذات المعنى قرأت بيتاً للشاعرة مويضي البرازية. تقول: اللي يتيه الليل يرا النهارا واللي يتيه القايله من يقديه وقد لا يعرف الكثيرون، أن الشاعر عبدالله منقره - رحمه الله - صاحب هذه الأبيات، هو شقيق الشاعر المميز راشد فرحان البلوي، الذي بزغ نجمه الشعري بعد مشاركته الناجحة في النسخة الثانية من برنامج شاعر المليون. وللشاعر يوسف السرحاني - رحمه الله - بيت معروف، طالما تمثل به عامة الناس وخاصتهم، ولاسيما في الأعراس والولائم واستقبال الضيوف، حتى أصبح بصمة شعرية في ذلك، وهو قوله: ما يستريح اللي عزم له رجاجيل اللي دعاهم للعشا واستجابوا يستاهلون الحيل ذباحة الحيَل كم حايل من عقَر الضين جابوا وكثيراً ما تناقل رواة الشعر، أبياتاً جميلة، تحمل الحكم، والنضج، والصياغة الراقية، إلا أن هذه الأبيات لم تنصف إعلامياً، وتحتاج إلى وقفة صادقة معها، وتسليط الضوء على من كتبها؛ فالأبيات التي يتناقلها رواة الشعر، وتردد على ألسنة متذوقي الجمال، لا يمكن أن تكون يتيمة الإبداع، بل غالباً ما تكون درة من عقود شعرية مغرية تحتاج إلى من ينقب عنها، ويخرجها إلى النور، لنستمتع بقراءة العديد من النصوص الشعرية الرائعة في تراثنا الشعري المضيء.