* ليس هناك حلٌّ نهائي يقتطع الحق الثابت، أو يستبعده، أو يلغيه أو يبيعه، بالجملة، أو التجزئة، نقداً، أو تقسيطاً. * وليس هناك حلٌّ نهائي يُلغي، شعباً، أو يُهمله، أو يستبعده أو ينفيه، أو يُجزئه، أو ينثرهُ، شتاتاً، أو يحجُره في مخيمات ضيقة أو كانتونات محدودة، أو يحشُره في مسارات آمنة أو سراديب مظلمة. * ليست هناك حلول نهائية للحقوق، وليست هناك حلول نهائية للشعوب، كل ما هنالك، تحايل على اللغة وتشاطر على المفردات واستعارات ومجازات وتجاوزات على المعاني والألفاظ، وتلاعب بها. * ليس هناك، مفاوض، مخوَّل بتصفية الحقوق وإشهار إفلاس الشعوب، وإحالتها على التقاعد، أو بيعها، برسم التقبيل. * المفاوضون محكومون بالظروف والضغوط، وموازين القوى, وهم محكومون، بأعمارهم المحدودة، وآجالهم المقضيّة، وبإمكاناتهم القاصرة, وهم أشخاص عاديُّون، مشغولة أذهانهم ومُرهقة أبدانهم، وآدمية طموحاتهم واهتماماتهم, إن عليهم أن يلحقوا بموعد الغداء، وأن يدفعوا، أقساط المدارس، ويذاكروا للأبناء دروسهم، ويشتروا للزوجة معطفاً، أو منديلاً، ويسددوا فاتورة إصلاح السيارة، وفاتورة الماء والكهرباء، ويحصلوا على ربطة عنق مناسبة للظهور أمام كاميرات التلفزيون، ويخططوا استراتيجية التنافس على المناصب، والأدوار. * المفاوضون، آدميُّون، نسبيُّون، مستهلكون، آنيُّون. * والمفاوضون، عابرون، حادثون، مؤقتون، راحلون، زائلون. * أما الحقوق فهي ثابتة، مطلقة, وأما الشعوب، فهي دائمة، مستمرة متدفقة متجدّدة. * ولذلك، فيجب ألا نكترث كثيراً، بكل ما يُسمّى بمفاوضات الحل النهائي، لأنها لن تثبت حقاً، أو تلغيه,, ولأنها لن تخلق شعباً أو تصادره، أو تنفيه. * كانت فرنسا، تعتقد أنها، وجدت حلاً نهائياً للمشكلة الجزائرية باعتبار الجزائر، جزءاً لا يتجزأ من الوطن الأم: فرنسا, ورحلت فرنسا، وبقيت الجزائر، حرة، وجزائرية. * وظنّت جنوب إفريقيا العنصرية، أنها وجدت حلاً نهائياً، للأغلبية الإفريقية السوداء، بتوطينها في مناطق لالحكم الذاتي وتطبيق سياسة الفصل العنصري، وتهاوى النظام العنصري البغيض وخرج السجين مانديلا، وأخذت الأغلبية السوداء حقوقها المشروعة وكرامتها وحريتها، المصادرتين. * وظنّت إسرائيل، أنها عثرت على الحل النهائي للضفة الغربية وقطاع غزة، وأن أجيالاً ولدت تحت الاحتلال، وفي المخيمات، قد فقدت ذاكرتها الوطنية، وخنعت للأمر الواقع وقبلت الحل النهائي الإسرائيلي,, ولكن ظهر أطفال الحجارة، ليعبِّروا عن قدرة الشعوب على البقاء، وقوة أرحامها على النضال والتجدُّد، وسطوة حقها على الظروف وصلابة عظامها ، على التحطيم، ورقابها على الكسر، وانتصار ذاكرتها على النسيان. * الأمثلة في التاريخ كثيرة، والشواهد متعددة، على محاولات الحلول النهائية للحقوق، وللشعوب، التي تبخرت عن انبلاج الفجر. * هنيئاً للسادة المفاوضين، فناجين قهوتهم، وربطات أعناقهم، وإتيكيت انحناءاتهم، ولَثَماتِهم. * ومشكورة جهود السادة المفاوضين، في مراجعة الخرائط، والتدقيق في جغرافية المسارات الآمنة، وتصميمات البطاقات الممغنطة ، وحذف، أو إضافة حروف الكسر، والفتح، وإشارات الضم، والسكون، والشد، والمد. * لكن الحق، مطلق، لا يرتشف قهوة الصباح على ذلٍّ، ولا يخضع الى مصادرات الحل النهائي . * والشعوب، كريمة، وباقية، لا تمارس بروتوكولات الانحناء واللَّثم، ولا يضم قاموسها مفردةً اسمها الحل النهائي .