كتبت صاحبة زاوية (المنشود) الكاتبة رقية الهويريني مقالها في العدد (13900) تحت عنوان (هل حبيبك شمس.. أو قمر) حيث قالت في توطئة مقالها (كثيراً ما يشيد الناس بملامح أحبائهم المعجبين بهم، ويبالغون في مدح أشكالهم، ويذهبون لتشبيههم بالقمر! حتى ولو كانوا (الحمد لله على خلقته)! والسؤال الظريف: هل القمر بالفعل جميل، فاتن، جذاب، مشرق، بهي؟.. أو ليس القمر في الواقع أجوف ومخادع حيث يعكس جمال غيره وضوءه وإشراقه؟!) ثم أردفت (ومعروف أن القمر ليس مضيئاً بذاته بل هو يعكس نور الشمس وحين نشبه من نحب بالقمر فكأننا نقول إنه جميل.. ولكنه أجوف، مخادع، سارق! وطالما كان كذلك فلم لا يشبه الناس أحباءهم بالشمس؟) والحقيقة أنه مهما كان مقصد الكاتبة من هذ الموضوع والتشبيه فإن القمر لآية من آيات الله الكبرى في هذا الكون ومثال وشاهد في عملية الاتقان والجمال قال تعالى: )وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (37) سورة فصلت. وقال سبحانه وتعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (5) سورة يونس. وقال جل وعلا: (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا) (16) سورة نوح. فالقمر إضافة إلى أنه آية عظمى لبديع صنع الله فهو زينة السماء وبهاؤها وتاجها عندما يتجلى بدراً في كبد السماء منتصف كل شهر وله جماله الأخاذ حتى وهو هلال في بداية الشهر وآخره فسبحان من أحسن صنع القمر ليجعله آية تستلب الآلباب فتوقن قلوب العباد وتؤمن بعظمة الخالق جل وعلا وببديع صنعه وعظيم قدرته في هذا الكون، وعلى ذلك فهل نشكك بجمال القمر وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم حسنه بالقمر فقد جاء في الحديث الذي أخرجه الطبراني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن يوسف عليه السلام: (فإذا أنا برجل أحسن ما خلق الله، قد فضل الناس بالحسن كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب) وظاهر الحديث أن يوسف عليه السلام كان أحسن من جميع الناس لكن جاء عن الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال: (ما بعث الله نبياً إلا حسن الوجه، وحسن الصوت، وكان نبيكم أحسنهم وجهاً، وأحسنهم صوتاً) قال ابن المنير - رحمه الله - تعليقاً على قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: (فإذا أنا بيوسف إذ هو قد أعطى شطر الحسن) فالمراد أن يوسف أعطي شطر الحسن الذي أوتيه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أما كون القمر يعكس ضوء الشمس فقط - بقدرة الله تعالى - فهل تعلمين أنه ورد في بعض التفاسير أن القمر كان قبل ذلك مشتعلاً بذاته حيث يقول الله تعالى في سورة الإسراء ?وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً? (12) سورة الإسراء. وقيل (لقد استنبط الصحابة قبل أربعة عشر قرناً أن كوكب القمر كان يشع نوراً ثم أذهب الله ضوءه وأزاله، وذلك من خلال تفسيرهم لقوله تعالى: ?وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً? (12) سورة الإسراء. وقد قال الإمام ابن كثير في تفسيره أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال في تأويله للآية: (كان القمر يضيء كما تضيء الشمس، وهو آية الليل فمحي، فالسواد الذي في القمر أثر ذلك المحو) وقد تبين في العلم الحديث في القرن العشرين أن القمر في القديم كان مشتعلاً ثم محي ضوءه وانطفأ حيث أظهرت المراصد الفلكية المتطورة والأقمار الاصطناعية الأولى صوراً تفصيلية للقمر وتبين من خلالها وجود فوهات لبراكين ومرتفعات وأحواض منخفضة كانت والله أعلم من آثار المحو الذي دلت عليه الآية الكريمة ووجه الإعجاز في هذه الآية القرآنية الكريمة هو إشارتها إلى أن القمر كان له نور وضوء ثم أمحي وطمس فصار مظلماً) وهذا من علامات الإعجاز التي بلغ بها الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة فسبحان الله الخالق المقتدر الذي أحسن كل شيء خلقه. ولذلك شرع التفكر في آيات الله الكونية وأنها أعظم دليل على وحدانية الله. وبعد كل ذلك تأملوا أعزائي أيضاً ماذا قالت الكاتبة (القمر بغيرته الشديدة هو المتسبب في حدوث الكسوف الشمسي بتوسطه بين الأرض والشمس، فيجعل القمر ظنه يغطي جزءاً من الأرض ويحجب نور الشمس تماماً.. في حين يحلو إطلاق النظر للقمر والتمعن فيه عند أجمل مراحله واكتماله بدراً، بيد أنه ما يلبث أن تعافه النفس، وتزهد به، لأنه مزاجي متقلب، فهو حينا هلال يجهد الناس بالبحث عنه لا لذاته ولا لكونه هدفاً، ولكن لارتباطه بالزمن، وحيناً آخر بدر يبالغ في إظهار حسنه! ثم ما يلبث أن يمل من الظهور اليومي والاستعراض ويفقد حماسه وعنفوانه وينسحب متحولاً إلى محاق فيحيل ليلنا سرمداً مخيفاً يسمح للحشرات بالانتشار ويبيح للصوص بالتجوال!). فهل القمر له الإرادة بأن يفعل ذلك فالمشيئة لله وحده الذي هو المتحكم والمقدر لكل ظاهرة في هذا الكون سواء صغرت أو كبرت فتعالى الله عما يقولون ويؤولون.فقد أصبح كسوف الشمس - في نظر الكاتبة - مجرد غيرة من القمر تجاه الشمس ومحاولة التشويش على ضوئها وكذلك في سنن الله في هذا الكون من تعدد مراحل تجلي القمر حتى يعود كالعرجون القديم كما ذكر الله جل وعلا في كتابه الكريم.