إن الفن التشكيلي في المملكة العربية السعودية، يكتب بفخر في تاريخ الفن السعودي المعاصر صحائف مجد وفخار لوزارة المعارف (التربية والتعليم حالياً)، التي وضعت اللبنة الأولى لهذا الفن قبل نصف قرن، والجهات الأخرى التي تولّت زمام هذا الفن (الرئاسة العامة لرعاية الشباب والجمعية العربية للثقافة والفنون ووزارة الثقافة والإعلام والجمعية السعودية للفنون التشكيلية)، وغيرها من المؤسسات الرسمية والخاصة التي دعمت وساهمت في تعزيز هذا الفن وتأصيله وتطوره وانتشاره، وجهود الرعيل الأول من الفنانين الذين تحمّلوا البدايات وأقاموا بجهودهم الذاتية معارضهم الشخصية تحت وطأة التهميش والسخرية وضعف الإمكانيات، لإيمانهم العميق بعبء الرسالة وحبهم لهذا الفن الجميل، وقدموا إنتاجهم الفني، للتعبير عن ذواتهم وما صاحب ذلك من إخفاقات وإحباطات ونجاحات، كانت من العوامل الهامة على بروز الشكل المعاصر للفن التشكيلي السعودي، وساعدت على اجتذاب الكثير من الفنانين الشباب، ومهدت الطريق للأجيال اللاحقة الذين ظهروا فيما بعد، ساهموا جميعاً في بناء هذا الفن، ويسيرون بخطى واثقة لخلق نهضة فنية، تنشأ على اتصال بالتراث الثقافي في الفن. ولكن وبعد نصف قرن من عمر التشكيل السعودي، لازال يقف في حدود « الظاهرة «. ولم يصل إلى مستوى الحراك التشكيلي بمفهومه النقدي المتعارف عليه، لأنّ كلمة (حركة) تعني حراكاً فنياً، يُبنى على فلسفة ومضامين فكرية واضحة، كما هو واضح في الحركات الفنية المعروفة في تاريخ الفن، ولن أتطرق عن هذا الجانب، فهو موضوع طويل ومعقد يعرفه الكثيرون من الأكاديميين والخبراء والباحثين في الفنون، ولكن سأتطرق إلى موضوعين من جملة معاناة واقع التشكيل السعودي المؤلم. أولاً: صالات العرض: (وضعها غير قانوني وغير معترف كصالة عرض فنية، هي في الواقع، دكاكين للخردوات والأنتيكات أو للخط والرسم وبعضها متاجر للبراويز ومكاتب للديكور) .. والخ هذه المسمّيات التي ليست لها علاقة بنشاطها الحقيقي، ومسمّاها في العلن، تزاول نشاطها علناً دون تراخيص رسمية (كجاليري)، وتقوم بعقد الندوات والمحاضرات والدورات التعليمية وبيع الأعمال الفنية المستوردة والمستنسخة دون رقيب أو حسيب، فهذا الخلل يحتاج إلى وقفة تأمل وإعادة نظر جادة، لما لهذا المرفق الثقافي من أهمية كبرى في إبراز هذا النشاط والبوابة التي يدخل منها الفنان إلى الجمهور ويتواصل معهم والنافذة التي يطل منها المتلقي على هذه الفنون. لهذا يجب أن تكون هذه الصالات تحت مسؤولية وإشراف جهات ثقافية، مثل وزارة الثقافة والإعلام أو الرئاسة العامة لرعاية الشباب أو جمعية الثقافة والفنون أو جمعية التشكيل، وهي المعنية بإصدار التصاريح ووضع اللوائح والأنظمة والضوابط لمثل هذه المرافق، بدءاً من المظهر العام والديكور، ومؤهلات العاملين وثقافتهم ومعرفتهم بفنون الحرفة.. ثانياً: الأعمال الفنية: هي عبارة عن كومة من الركام، مجهولة الهوية وليست لها قيمة رسمية اعتبارية أو كيان فني وليست لها صفة ثبوتية ومرجعية ملكية وحقوق فكرية. لعدم وجود سجل رسمي يتم بموجبه توثيقها وحمايتها من الاقتباس والاستغلال، ويضمن للمتلقي منتجاً أصيلاً قابلاً للاستثمار وخاضعاً للنماء والزيادة. لهذا أقترح على وزارة الثقافة والإعلام، إيجاد (لجنة فنية) على غرار هيئة المواصفات والمقاييس، والجودة النوعية بوزارة التجارة، وتطبيق المرسوم الملكي رقم م/41 وتاريخ 2-7-1424ه بصدد الموافقة على نظام حقوق المؤلف، على الفن والفنان التشكيلي. وفي بادئ الأمر يمكن لجمعية الثقافة والفنون أو جمعية التشكيل، القيام بتوثيق الأعمال الفنية بناءً على مشهد من الفنان صاحب العمل وعلى نموذج معد لذلك وضمن ضوابط وقوانين محددة مثل (أصالة العمل غير مقتبس أو منسوخ أو منفذ بأيدٍ ماهرة) ولا يتم تنفيذ ذلك، إلا بعد وجود قاعدة بيانات لجميع الفنانين ونموذج من تواقيعهم المعتمدة ورقم تسجيل شخصي لهم. ومن ثم تقديمه إلى وزارة الثقافة، وبعد ذلك رفعه إلى مكتبة الملك فهد الوطنية لتسجيل العمل على الرقم الدولي (ردمك) .