نجح لاعبو كرة القدم في تكوين شعبية جماهيرية لهم، ليس في محيط بلدانهم فقط، بل في المحيط العربي والعالمي، كما نجحت وعلى سبيل المثال كرة القدم بأن كانت اللعبة الأكثر شعبيةً في العالم.. إن أصغر»ماتش» يمكن أن يضم آلاف المتفرجين من جمهور عريض قدم من كل صوب خصيصاً لمتابعة هذه اللعبة، وإن الصحف تكرّس صفحاتها ومعلقي كرة القدم ونقاد الملاعب للكتابة فيها قبل وبعد المباراة، كما حلقات تلفزيونية خاصة ودعوات لضيوف ومعلقين على شاشات الفضائيات. وإني لا أعتبر نفسي خارج نطاق عشق كرة القدم، بل تعوّدت في طفولتي أن أحضر بعض هذه المباريات في إستاد الجهراء بالكويت أو أتابعها مع والدي - رحمه الله- عبر شاشة التلفاز ولا أخفي انحيازي الرياضي لأحد الأندية الرياضية بالمملكة، وما دعاني لكتابة هذا المقال ليست قطيعة بيني وبين هذه الرياضة، بل لأنني أغبطها لما حققت من شعبية وجماهيرية كبيرة. والسؤال الذي أطرحه هنا: لماذا لم تحقق الثقافة هذا الحضور الذي حققته الرياضة ولم يكن للمثقف مثل الشاعر والأديب هذه الشعبية التي للاعب! ولماذا لا يتم الاستثمار في الثقافة كما في الرياضة؟ ولم لا تفرد الصحف صفحاتها للثقافة كما الأخبار الرياضية؟ السؤال بشكل آخر: هل سبب عدم مشاركة رجال الأعمال في دعم الشأن الثقافي هو إيمانهم بأن الثقافة تجارة خاسرة لذا أفلس معظم المثقفين والمشتغلين في الشأن الثقافي مالياً؟ لماذا لا يتم دعم الإبداع الثقافي والفكري كما الرياضي؟ ما إمكانيات المنابر الأدبية مقارنة بالأندية الرياضية! عجزت عن الإجابة عن أسئلة لطالما أرّقتني وقد عاد لإثارتها لقاء الصديق والإعلامي المغربي ياسين عدنان بالدكتور نبيل المحيش في برنامجه الثقافي على القناة المغربية، حيث وضع الأسئلة التالية على طاولة الحوار ولربما كان أكثر تفاؤلاً مني حين اعتبر أن القصور بعيد عن الجانب المادي وهذا محور أسئلته: هل الثقافة مجرد إطارات وهيئات وبنايات فخمة، أم هي حركة حيَّة تلهب الشارع والمجتمع؟ وهل يكفي المال وحده لخلق دينامية ثقافية هكذا من عدم؟ ثم هل يكفي أن نوفر للأدباء والمثقفين أندية ومجلات وفضائيات خاصة بهم؟ أم أن المطلوب ربما هو الترويج للثقافة ودعمُ حضورها بين الناس؟ وما السبيل إلى ذلك؟ ثم ما مدى أهمية المال في غياب إستراتيجية ثقافية واضحة؟ أليس غياب هذه الإستراتيجية بالضبط ما يجعل المال العربي يحضر في الجوائز وفي بعض التظاهرات الضخمة والفخمة دون أن يتعدى هذه السياقات الاحتفالية إلى دعم المشاريع القاعدية العميقة في مجالي الأدب والثقافة؟ سأدع الجواب للقراء الكرام.. لرجال الأعمال الذين لا أعفيهم من واجبهم تجاه المشروع الثقافي الوطني الكبير وللمثقفين الذين أغلق البعض منهم على أنفسهم في بروج عاجية عجز العامة أن يصلوها وأخفقت الثقافة أن تصبح خبز الغني والفقير، وأعتب على المواطن العربي الذي لا تشده صحبة كتاب أو متابعة برنامج ثقافي كما مسلسل تلفزيوني أو فيلم سينمائي أو برنامج هزلي ترفيهي! إنه ليكون للثقافة حضورها ودورها كحركة حيَّة تلهب المجتمع والشارع لا بد أن نعيد لها الوضع الاعتباري، وأن تصبح ضمن الأجندة السياسية والاقتصادية و... وكذلك لا بد أن يكون لنا ذلك الانتماء الحقيقي لها. دمتم بخير للقصيبي: تفزعني أنباء العالم.. فأختفي في ضحكتك [email protected]