أيها الشهر الكريم، أزف الفراق بعد أن قضينا معك فترة وجيزة، مرت مرور الكرام، وكان لنا معك وقفات تأمل، فصيام يومك عبادة، نرجو بها الثواب من الله، وليلك ونهارك يدعونا إلى خير الأمور من صلاة، وصلة رحم، وزكاة، وصدقة، وقراءة القرآن آناء الليل وأطراف النهار. الألسن فيك تعف عن الأذى، والأرجل تمتنع عن الذهاب إلى الردى، والأيادي فيك تكف عن البطش حتى بالأعداء، فأنت شهر الرحمة من الله للبشر، وبين البشر بعضهم لبعض، وأنت موسم المغفرة، وموسم التوبة، وموسم الطاعة، وموسم القبول - بإذن الله -. فاللهم اجعل صلاتنا صلاة تحل بها العقد، وتفرج بها الكرب، وتزيل بها الهموم، وتبلغ بها العبد ما طلب، اللهم اجعل صيامنا صياماً تطفئ عنا به وهج حر القطيعة، ببرد يقين وصالك. يا أكرم الأكرمين، يا بديع السموات والأرض، يا أرحم الراحمين (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) أسألك من فضلك العظيم، أن تمتعنا بفضلك العظيم، قبولاً دون رد، ورحمة ليس لها حد، وألا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأن تكون لنا عوناً في أمور ديننا ودنيانا. أيها الشهر الكريم إن فراقك ليس بعيداً، ولكن أملنا أن تعود إلينا مرات عديدة، لننعم بك، ونستهدي بضوئك، ونعيش في كنفك، بعض ليال وأيام. اللهم إنا نسألك في هذا الشهر الفضيل أن ترينا وجه نبينا الكريم، وأن تمحو عنا وجود ذنوبنا بمشاهدة جلالك، (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم) وهب لنا معرفة نافعة، إنك على ما تشاء قدير. عندما نودع رمضان، فلعله يكون منطلق توبة نصوحاً ننصرف فيه وما بعده من الشهور عن الزلل والذنوب، ونعود إلى رب العباد في العبادة والمعاملة، فهل يربينا الشهر على العمل الخالص، والمخلص، وهل يربينا الشهر المبارك على أن نكون عادلين منصفين في سلوكنا وعملنا وإدارتنا؟ هل يربينا الشهر المبارك على أن نترك أكل لحوم الأحياء، والبعد عن الأهواء؟ وهل يربينا الشهر المبارك على حب الخير، ومناهضة الشر، وهل يربينا الشهر المبارك على أن نحب لإخواننا ما نحب لأنفسنا؟ إن هذا الشهر الكريم الذي أزف على الفراق يحتاج منا إلى التأمل في أعمالنا اليومية وتعاملنا مع الآخرين، ففي الإسلام من مكارم الأخلاق ما يجعلنا خير أمة أخرجت للناس، غير أن قراءة القرآن، والصيام والقيام إذا لم يصاحبها عمل فعلي في التعامل الإنساني والإداري والبشري، فربما تكون الاستفادة منه أقل حظاً. وقبل الختام يحق لي أن أقول: إن مكةالمكرمة التي آوت هذا الجمع الغفير من المعتمرين، في هذا الشهر الكريم، ما كانت لتستطيع أن تقدم لهم تلك الخدمات، وتيسر لهم المناسك لولا جهد كبير من المملكة العربية السعودية حكومة وشعباً، التي قدمت وما زالت تقدم للحجاج والمعتمرين خدمات فريدة قل نظيرها في أي بقعة في العالم. فيالك من شهر كريم، تودعنا ونودعك راجين من الله القبول إنه على كل شيء قدير.