لا شك أن شهر رمضان المعظم لا يعني الامتناع عن الأكل والشرب فحسب؛ فهناك أيام في السنة نصومها ولا نكاد نحصّل أجرها مثلما تكون في رمضان حتى ولو كان صيام القضاء والتطوع. فأجر صيام رمضان زماني ارتبط بالشهر ذاته. فهو شهر التقوى، قال تعالى ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ? كما أنه شهر الصبر، وهو الذي يجمع الصبرين في موضع واحد، صبراً على الطاعة وصبراً عن الرغبات. ومنه يبدأ المرء تعلم أبجديات الصبر التي تنأى به عن حب الدنيا، وتعوده على مجاهدة النفس وكفها عن شهواتها، وتعميق مواطن الإحساس بها، فيكون الإنسان في رمضان أقرب إحساسا بالفقراء، وإنفاقاً على المحتاجين، حيث يشعر بحرمانهم فينكسر قلبه لهم ويجود بالعطاء. كما أنه من خلال الصيام يربي في نفسه مَلكة الصبر والتحمل والجلد، وحينما تقوى عنده هذه المَلكة يكون حينئذ قادرا على التحكم بذاته، مخالفا لهواه، كابحا لرغباته، فمهما كانت رغبته في الأكل والشرب فلن يفعل إطلاقا حيث يمنعه إيمانه ويقينه بمراقبة ربه له أن يفعلها. وللصابرين أجر عظيم ?إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ?. ولا شك أن من اعتاد على الصيام تسهل عليه بقية الطاعات فيستزيد من الخيرات، حيث يخف الجسد فتسمو الروح وتشتاق إلى ربها وتهون عليها الدنيا. كما أن الصيام يضعف سيطرة الشيطان على الإنسان بالتضييق عليه لأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم فكلما أكثر الإنسان من الأكل والملذات كلما ابتعد عن العبادة. وبالصيام وقراءة القرآن ينال المسلم الشفاعة، يقول عليه الصلاة والسلام (الصيام والقرآن يشفعان للعبد، يقول الصيام: ربي منعته الطعام والشراب في النهار فشفعني فيه) ولعلنا نلاحظ أن من اعتاد متابعة الصيام يكون أقرب للجدية في القيام بالعبادات وأداء المعاملات. ويكفي أن الصائم مستجاب الدعوة. لقوله صلى الله عليه وسلم (للصائم دعوة مستجابة حتى يفطر). وفي رمضان بالذات دون غيره من الشهور يشعر المرء بفرح وسرور مصداقا لقوله عليه السلام (للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه) ويوم القيامة يفرح بصومه لما يجده من مقابل عند ربه (إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) فليس أسعد من أن يغفر للمرء ذنبه، يقول عليه السلام: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه). ولأن أيام رمضان قصيرة وساعاته محدودة؛ فليس أجمل من قضائها بالعبادة وعدم تضييع ساعاته الثمينة بالانشغال بشراء المستلزمات وهدره بإعداد الإفطار والتهيؤ له، والإفراط في مشاهدة المسلسلات التي ستعاد طيلة العام! ويجدر الحرص على تحصيل الأجر في تلك اللحظات الثمينة والدقائق الغالية واغتنام فرصة الدعاء، وسؤال الله تعالى في أقرب أوقات الاستجابة. فقد كان الصحابة والتابعون أشد تعظيماً لآخر النهار من أوله لأنه خاتمة اليوم، ولم يكونوا يفرطون في وقت السحر، قبيل الفجر قال تعالى: (والمستغفرين بالأسحار) فحري بالمسلم كثرة الدعاء والاستغفار وقراءة القرآن (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن الليل فسبحه وأدبار السجود). ورمضان فرصة لمن وفقه الله لاغتنماها، وإني لأرجو أن نغتنمها وأن يعيننا الله على صيامه ويوفقنا لقيامه. www.rogaia.net [email protected]