السائح إنسان عاقل قرَّر بإرادته الحرَّة الانتقال من مقر إقامته الدائمة إلى مكان آخر والمبيت ليلة أو أكثر رغبة في الراحة والاستجمام.. هذا الإنسان محل الحديث لديه القدرة المالية على دفع تكاليف رحلته هذه والتي تُسمى «سياحة»، ويفترض هذا الشخص ومن معه في رحلته السياحية سواء أكانوا الزوجة والأولاد أو الأصدقاء والأصحاب أن يحصل على الخدمة التي تحقق له الهدف الذي خطّط له «الراحة والاستجمام»، وأن ينال مبتغاه بالسعر المناسب ودون عناء أو تعب أو إرهاق، بل إن السائح يؤمل أن يعود من رحلته السياحية وهو أكثر حيويةً وعطاء بعد أن تجددت ذاته وتغيّرت نفسيته وتبدلت حاله إلى أحسن مما كانت عليه، وهذه سبحان الله سنَّة الله في خلقة، فالانتقال والترحال يطرد الكآبة ويقتل الروتين ويجدد الحياة و(أسأل مجرّب ولا تسأل طبيب)، ولذلك يدفع السائح المال بسخاء غالباً لأنه جاء ينشد هدفاً معيناً وله غاية محددة انتظرها هو وعائلته طوال عام دراسي كامل وها قد حان وقت الترحال من أجل السياحة لذات السياحة بعيداً عن إرهاق العمل وضغوط الحياة. ومع أننا جميعاً نعرف أهمية هذه السلوك في حياة بني الإنسان، ونعلم علم يقين أن السياحة صناعة تحتاج إلى تكاتف مؤسسات عدة حكومية وأهلية وخاصة وذلك من أجل إيجاد البنية الأساسية التي هي اللبنة الأهم والركيزة الأساس في السياحة الداخلية، فضلاً عن صياغة منظومة القيم التي يجب أن يتمتع بها إنسان المناطق السياحية، مع كل ذلك فالسياحية الداخلية في كثير من مناطق المملكة ما زالت ضعيفة إن لم تكن سلبية لأنها باختصار تحاول أن تحاكي الفعل السياحي بممارستها تجارة اللعب على الذقون وذر الرماد في العيون والتلاعب بالأرقام وعدم التفريق بين السياحة الترفيهية الاستجمامية والزيارات العائلية وحضور المناسبات الاجتماعية، وذلك من أجل التضليل الإعلامي والتمويه على المسئول! إننا في المملكة العربية السعودية ما زلنا نفتقد إلى الأرضية الصلبة التي تقوم عليها مشاريعنا السياحية، نعم هناك جهود مشكورة تُبذل من قبل الهيئة العامة للسياحة والآثار وعلى وجه الخصوص من لدن مقام صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز شخصياً، ولكنها مع كل التقدير تقف عاجزة أمام تلك العقبات المتعددة التي هي بمثابة حجر عثرة في وجه التفعيل الأمثل للسياحة الداخلية!! أي سياحة داخلية نتوقّع والمنتقل من منطقة إلى أخرى لا يجد طوال رحلته البرية الاستراحة المناسبة التي يرتاح فيها هو ومَن معه أثناء الانتقال من بيته إلى مكان سياحته!! أي سياحة ننشد والانتقال عبر الخطوط الجوية أصعب من حبة الكوع إن لم يكن من سابع المستحيلات خاصة إذا كانت العائلة ما شاء الله ذات عدد وعدة!! أي سياحة نطلب والمنظمين للمهرجانات، نكرات ولا يعرفون في هذه العملية التي هي كما قلت صناعة وحرفة وليست عملاً ارتجالياً فوضوياً سوى جمع المال من خلال تأجير الأكشاك على الباعة الأجانب وترك الحبل على الغارب!! أي سياحة نريد وأسعار الشقق المفروشة فضلاً عن الفنادق مبالغ فيه جداً وتفتقد للمصداقية وتعتمد على حركة السوق اليومية «عرض وطلب» غالباً!! ومن لديه القناعة بالسياحة الداخلية، ومن يدّعي أن ما يُذكر من أرقام سواء عدد السيارات أو الأشخاص أو العائد المالي فليكلّف نفسه وينزل للميدان ليرى بأم عينية حقيقة ما يُسمى «سياحة داخلية»، وإن أردت التخصيص فالسياحة مثلاً في مدينة حائل تعتبر نموذجاً محزناً وصورة كئيبة يعود منها السائح خالي الوفاض وربما بانعكاس سلبي وللأسف الشديد وبدل الراحة والاستجمام اللذين ينشدهما الشعور بالأسى والحزن الشديد على واقعنا السياحي التعيس، بصدق شيء يحزن ويؤلم ويبعث في النفس الكآبة، وليس من رأى كمن سمع أو قرأ، ولذا لا بد بعد انتهاء هذا الموسم من إعادة قراءة خريطة السياحة الداخلية بعين الناقد المتفحص من قبل إمارات المناطق والهيئة العامة للسياحة والآثار ومحاولة بعث الروح فيها من جديد، وتصحيح المسار بالتعاون مع الأمانات والطرق والطيران علاوة على المستثمر السياحي حتى ولو كان خارجياً وإلا ستنشط السياحة الخارجية أكثر مما عليه الآن وسنبقى نكرر الاسطوانة كل عام ولكن لا صدى لهذا الصوت الجريح سوى لدى الفئة الفقيرة العاجزة عن الحراك والمحتاجة للمال.. وإلى اللقاء والسلام.