أصل المقال الذي كتبته الأستاذة سمر المقرن كان يتحدث عن مبادرة اللجنة النسائية بنادي جازان الأدبي بإقامة ندوة عن (حقوق المرأة) دعيت لها الكاتبة فشاركت بالحديث عن (بعض القضايا الأساسية المتركزة في وضع المرأة أمام السائد الاجتماعي). الذي يلفت النظر هنا أن الندوة عقدت بمبادرة نسائية من جازان، وقد سبق للكاتبة الكريمة أن تحدثت في الزاوية نفسها عن مبادرة نسائية من القصيم تمثلت في تنظيم لقاء ضم الجمعيات الخيرية النسائية. مثل هذه المبادرات التي تمثل شكلاً من حراك نسائي - إن جاز هذا التعبير - تختلف عن المطالبات الفردية أو النشاطات الشخصية أو الإنجازات العلمية والإدارية التي تحققها بعض نسائنا على انفراد أو ما ينشر على أعمدة الصحف من أطروحات فكرية متصلة بحقوق المرأة. ما هو منتظر من المرأة هو أكثر من أن تسعى بمفردها في مجتمع ذكوري (بل مطلق الذكورية) لتأكيد ذاتها وتكريس حقوقها. وقد فرشت الدولة - من ناحيتها - البساط عريضاً أمام المرأة لتخطو عليه بثقة وإقدام من خلال إتاحة فرص التعليم والعمل والتأكيد على دورها في التنمية في خططها الخمسية وقرارات مجلس الوزراء، ولكن - كما ذكرت الكاتبة - منذ عقد المؤتمر الثالث لمركز الحوار الوطني في عام 2003م الذي تناول موضوع المرأة - حقوقها وواجباتها وعلاقة التعليم بذلك - فإن المبادرات الجماعية والفعاليات الرسمية التي تتناول هذا الموضوع كانت نادرة. وأضيف لذلك أن صوت المرأة في هذا الشأن كان خافتاً، وكان للرجل الكلمة الأولى - أو على الأقل الكلمة الظاهرة -. ولا أدري إن كان يصح التمثيل على ذلك بالمؤتمر الذي عقد في البحرين مؤخراً ليناقش الاتفاقيات والتوصيات التي تمخضت عنها المؤتمرات الدولية عن المرأة. وشارك في هذا المؤتمر من المملكة (مركز باحثات المرأة)، وكما يستدل من الاسم فهو مركز نسائي لكن رئيسه والمتحدث باسمه هو شخص فاضل ومتمكن، ولكنه رجل على أي حال. ويبدو أن المبادرات الجماعية النسائية أكثر فاعلية من الجهود والآراء الفردية، وخير مثال على ذلك البرنامج الوطني للأمان الأسري؛ فقد صدرت الموافقة السامية على إنشاء هذا البرنامج بناء على مبادرة من مجموعة من النساء المستنيرات اللاتي تبنين توصيات ندوة عقدتها الخدمات الطبية بالقوات المسلحة عن مكافحة العنف الأسري ورفعن بذلك للمقام السامي. ومن الأمثلة النيرة اقتحام العنصر النسائي لمجال الترشيح لعضوية مجالس إدارات الغرف التجارية. إن تقدم النساء إلى واجهة المجتمع ليمارسن وظائفهن الاجتماعية وينلن حقوقهن الشرعية حاصل لا محالة؛ لأنه نتاج طبيعي لمسيرة التطور التي قطعتها المرأة في عصرنا الحديث ضمن مسيرة التنمية الوطنية أو بمحاذاتها. وعلى سبيل المثال فإن نسبة الأمية كانت عند النساء في عام 1402ه (69%) ثم انخفضت حتى بلغت في عام 1428ه (20%)، وفي مجال الممارسة المهنية كان عندنا - مثلاً - في عام 1400ه (39) طبيبة و(350) ممرضة فقط، ولكن في عام 1429ه صار عندنا (3724) طبيبة و(14100) ممرضة، وصرنا نحتفل بتكريم عالمات في الطب والعلوم الإحيائية وناشطات في مجال الاقتصاد، وشاعرات وصحافيات وروائيات، وتعيين قيادات في مناصب عليا في مجال التعليم خاصة، والمحاميات الآن على وشك الدخول إلى سوق العمل. ولعلنا نتذكر أن عدد طالبات التعليم العام كان في عام 1380-1381ه (بداية تعليم البنات) 5150 طالبة، ثم وصل في عام 1430ه (لجميع مستويات التعليم العام) إلى 1.976.715 طالبة؛ أي ما يقارب عدد الطلاب الذكور البالغ 2.092.792 طالباً. أما في مرحلة البكالوريوس فقد بلغ عدد الطالبات المقيدات في عام 1427ه 340.857 طالبة (يشمل هذا العدد طالبات كليات البنات). بلغ عدد المعلمات السعوديات 225.251 معلمة، بنسبة 98% من جميع المعلمات في عام 1430ه، وعموماً فإن النساء السعوديات يشغلن ثلث وظائف الخدمة المدنية. هل سيقف التطور عند هذا الحد؟ لا شك أنه لن يتوقف. ومع استمرار التطور يزداد وعي النساء بأهمية مساهمتهن في التنمية وبدورهن في المجتمع - وليس فقط داخل الأسرة - وثقتهن بأنفسهن. وعندما يصبح الوعي جماعياً تنشأ الحاجة للعمل المشترك في صورة لجان أو جمعيات نسائية أو مبادرات جماعية في إطار فعاليات رسمية أو غير رسمية؛ ذلك أن الوعي النسائي هو الذي ينتظر منه أن يدفع في اتجاه حل مشكلات المرأة وصياغة حضورها الاجتماعي وبناء شخصيتها المؤثرة، واسترجاع ما أضاعه التخلف والجهل من حقوق كفلها التشريع الإسلامي والضرورات الحياتية المستجدة. أنا لم أسمع مثلاً - وأرجو أن أكون مخطئاً - عن مؤتمر نسائي ناقش قضية الحوادث التي تتعرض لها المعلمات على الطرق الطويلة الموصلة إلى أماكن عملهن، وهذا مجرد مثال من أمثلة عديدة يمكن للنساء فيها أن يأخذن زمام المبادرة من الرجل الذي يريد دائماً أن يقوم بدور الوصي، وكثير من الرجال يخلط بين مفهوم الوصاية ومفهوم القوامة، وشتان ما بينهما. وعلى أي حال فإن الحديث عن تطور الوعي وانتشاره بين النساء في مجال الحقوق والواجبات الدنيوية يذكرنا بما أخرجه الطبراني مروياً عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: قالت النساء: يا رسول الله، ما باله يذكر المؤمنين ولا يذكر المؤمنات؟ فنزلت (إنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَات..) إلى آخر الآية (35) من سورة الأحزاب. ولست أدري إن كان من الجائز الاستشهاد بهذه الواقعة في هذا السياق؛ لأن أولئك الصحابيات الجليلات سألن لغرض هو أسمى وأجل مما نحن بصدد الحديث عنه، ولكن أعتقد أن وعيهن الذي نما وتطور بما تعلمنه من الوحي المنزّل ومن أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الذي دفعهن إلى طرح هذا السؤال الطموح.