افتتح أول معهد حكومي للتمريض بالمملكة عام 1959م، وفي عام 2007م تمت ترقية جميع المعاهد إلى كليات تمريض بدرجة البكالوريوس لإعداد ممرضين ذوي مؤهلات عالية؛ للحاجة إلى ذلك، ولمواكبة الحضارة والتقدم العلمي في المجال الصحي، حيث يوجد الآن 8 كليات حكومية و14 كلية أهلية و120 معهداً صحياً أهلياً. وحين اطلاعي على إحصائية حديثة تفاجأت بأن المملكة تفقد 50% من خريجي التمريض سنوياً! وعلمت أن السبب يعود إلى ضآلة دخل المهنة مع ضعف السلامة في مكان العمل المؤدي إلى زيادة نسبة الأخطاء الصحية، وطبيعة العمل لساعات طويلة وما يتخللها من مناوبات، إضافة إلى عدم توافق بدلات العمل ومتطلباته حيث يتقاضى الممرض 20% بدل تمريض فقط مع تغطية 24 ساعة بالمستشفى، ويعد هذا البدل الأقل مقارنةً بالصيادلة والأطباء، فضلاً عن هيمنة العمالة الأجنبية في إدارة التمريض وعدم إعطاء فرصة للممرض السعودي بالتدرج الوظيفي، وكذلك نقص التعليم المستمر وتنمية قدرات ومعلومات الخريجين، وتضاف مشكلة أخرى للممرضات السعوديات بعدم وجود تسهيلات تساعدهن على مواصلة العمل كروضات الأطفال والمواصلات والمرونة في ساعات العمل؛ لذلك تعاني الممرضات من عدم وجود وثيقة معتمدة تضمن حقوقهن بوجه عام، حيث لا يوجد اختلاف بين حقوق التمريض النسائي أو الرجالي بحجة أدائهم نفس الوظيفة؛ ومن هنا بدأ التناقص في أعداد الممرضات السعوديات، حيث يمثل التمريض بشقيه 30% فقط من العدد الكلي للتمريض في المملكة، برغم أن 70% من المجتمع بحاجة إليه. وفي الوقت الذي توصي فيه المعايير العالمية بأن تتكون القوى العاملة التمريضية من 70% من اختصاصيي التمريض بدرجة البكالوريوس و30% من فنيي التمريض من خريجي المعاهد والكليات المتوسطة، إلا أن الواقع 3% فقط للاختصاصيين و97% لفنيي التمريض. كما توصي الأبحاث بوجوب أن تكون نسبة التمريض في المستشفيات: ممرضة واحدة لكل أربعة مرضى في الأجنحة العامة، بينما المعدل في المملكة: ممرضة واحدة لكل 10 مرضى في المدن الرئيسة، ويزداد الحال سوءاً في القرى؛ مما يستوجب استحداث نظم متطورة لإدارة القوى البشرية لاستقطاب الممرضات السعوديات. ولعل ذلك يعود إلى افتقاد هيئة عليا تُعنى بقضايا التمريض والتنسيق بين المؤسسات الصحية المختلفة في المملكة، وقلة دعم المسؤولين لمهنة التمريض وعدم تطبيق برنامج السعودة في تلك المؤسسات؛ مما يجعل مهنة التمريض تعاني نقصاً حاداً في الكوادر، عدا ضعف الإقبال عليها، كما أن قلة اهتمام بعض المسؤولين بدور التمريض في القطاع الصحي، وتهميش دور قياداته؛ حيث أصبح صانعو قراراته هم من خارج المهنة، أديا إلى ضبابية دور هذه المهنة الإنسانية وعدم تقديرها؛ مما انعكس سلبياً على تقدير الرواتب والبدلات والصلاحيات المعطاة للتمريض، والتي لا تتماشى مع طبيعة العمل، فضلاً عن جهل المجتمع بأهمية المهنة؛ لقلة برامج التوعية المتخصصة، وكذلك النظرة الخاطئة لدى المجتمع عن مهنة التمريض، أو للاعتقاد بأن فرص الزواج للممرضات أقل من غيرهن بسبب طبيعة العمل، حيث إن الممرضة تتحمل عبئاً أكثر مما تتحمله غيرها في وظائف أخرى؛ نظراً إلى طول ساعات العمل والمناوبات والعمل أثناء الإجازات الأسبوعية؛ مما يتعارض أحياناً والحياة الأسرية، إضافة إلى تحفظات علماء الشرع على عمل الممرضة واختلاطها بالرجال العاملين والمرضى؛ مما تتسبب في عزوف الخريجين والخريجات عن المهنة، وتفضيل بعض المهن الأخرى مثل التدريس والطب والخدمة الاجتماعية على التمريض؛ لنقص التوجيه والإرشاد المهني لطالبات وطلاب المدارس الثانوية وتعريفهم بالأدوار المختلفة التي تقوم بها الممرضة أو الممرض في خدمة المجتمع ومستويات التعليم التمريضي المتاحة في المملكة، والفرص الوظيفية المتوفرة للخريجين والخريجات. رؤى وتطلعات واستشراف للمهنة نطرحها يوم الثلاثاء القادم إن شاء الله. www.rogaia.net [email protected]