مساء الجمعة، توقفت لغة الكلام، وارتشف القلم خطه من محبرة الذكرى، يرسم ألواناً من الوفاء، وزخماً من العطاء، المغلف بالصبر والكفاح، رغم عتبات السقوط التي كثيراً ما تعذرت عن تحقيق الحلم لعشاق القلعة الصفراء في مدينة بريدة. حروف التعاون، تبعثر أيام الماضي، توصد أبواب النسيان، فتسيل الذكرى تلو الذكرى في الشريان، حتى أغمضت العين عن الآن، فتذكرت تاريخاً، كان حصانه الأسود سوء الحظ، وشمعة الأمل فيه، حب التعاون ورغبة رجاله الأوفياء الذين تعاقبوا على محاولات الأخذ به إلى المكان الطبيعي. تذكرت حينما صعد التعاون لدوري الكبار للمرة الثانية عام 1997م، وقتها كان الأستاذ عبدالله يحيى الشريدة رئيساً للنادي، والأستاذ عبدالله الوايلي نائباً له، كيف زحفت الجماهير الصفراء إلى أرض الملعب، بصورة خرافية لا يمكن للعقل أن يرسم ملامحها خيالاً، حتى أن الإعلاميين والكتاب الرياضيين تساءلوا كيف لسوء الحظ أن ينتصر بظلمه على فريقاً بهذه القاعدة الجماهيرية. في رحم المكان، تتزاحم كل اللحظات، تلد الذكرى، ذكريات، فتذكرت عام 1995م حينما صعد التعاون للمرة الأولى لدوري الكبار، وكيف كان الجميع يحاول التعبير عن فرحه بطريقته الخاصة، عندها وقفت بي الذكرى على صفحات مجلة « تعاون 95 «، تلك المجلة التي اشتركنا وأخي المهندس محمد السراح - رئيس النادي الآن - في التعبير عن فرحتنا بطعم الصعود من خلال إعدادها وتحريرها وإخراجها وطباعتها، تذكرت جملة الأسماء التي سطرتها صفحات تلك المجلة، وجهودهم وعطائهم اللامحدود، كان على رأسهم الشيخ ناصر بن إبراهيم الرشودي رئيس هيئة أعضاء الشرف ذلك الوقت، تذكرت كيف قمنا وزميلي بتسليمها لربان السفينة الصفراء الأستاذ علي بن صالح التويجري، ونائبة العميد عبدالله بن محمد البدراني وكيف حملناهم على الأكتاف، ما أجملها من مفارقات وما أعذب أن تتكرر الأفراح بتغير الأسماء. في محيط الذكرى، تسبح مراكب زمن الآن، تُقلب في مجاديفها سعادةً غارقة في الأعماق، حتى وصلت بي إلى عام 1990م، حينما لعب التعاون على نهائي كأس الملك أمام النصر في جدة، وخسر اللقاء بهدفين لصفر، ورغم ذلك، ليلتها لم تنم بريدة، تردد أنشودة الانتصار مع رئيس النادي ذلك الوقت الأستاذ سليمان أبا الخيل. تذكرت أسماء كثيرة، شابت ذوائبها، ولم يستطع اليأس أن يأخذ من قلوبهم قيد أنمله، انتظروا بزوغ الفجر، وكانوا على موعدٍ مع شروق الشمس من جديد حتى تحقق الحلم، إنه الوفاء لزعيم القصيم. لملمت أشلاء الذكرى وتوكأتها، وتسنْدت فرحة العودة لدوري الكبار، وتوجهت مسرعاً، تسبق خطواتي دموع الفرح المتناثرة على سفوح المسافة التي تفصلني عن مقر النادي في حي الصفراء بمدينة بريدة، لأزف التهاني والتبريكات لرجالٍ بذلوا المال والجهد والوقت من أجل تحقيق الحلم وتكرار أيام الفرح، وفي مقدمتهم رئيس هيئة أعضاء الشرف الشيخ فهد بن إبراهيم المحيميد ونائب رئيس هيئة أعضاء الشرف الأستاذ ياسر الحبيب وبقية الأعضاء الشرفيين ورئيس مجلس إدارة النادي المحبوب المهندس محمد السراح الذي رايته محمولاً على أكتاف الجماهير، وهي تُنشد أجمل الألحان والأهازيج، حتى تسابقت النجوم على مقاعد الظلام، لتتابع من الأعلى فصولاً لمسرحية العشق الأبدي، فلا ترى النهاية.