حين يستبد بالإنسان بعض من داخله، أو من حوله تنتاب النفس حالة من الضيق؛ يضيف معها ما وسع ووسّع الله به عليه، وتنقلب طبيعته من حال إلى حال، فالإنسان أساسه قائم على التعادل؛ فلا يطغى طبع على آخر حتى ينعم بما خلق الله عليه وبه، ويحتل المكان اللائق بإنسانيته وجبلته. لذا فهو ملزم أن يحافظ على التوازن الذي بدونه تتعثر خطوات حراكه النفسي والعقلي، وتأخذ به متاعب النفس إلى مشهد لا يُرى معه شيء؛ فكل شيء طلع عليه الظلام وتوارى عنه ما كان يلفه من نور، حين كانت به النفس عامرة؛ فاحتفلت العناصر وبدأ الداكن من الألوان يمهد للظلام وجوداً؛ فيحس هذا الإنسان بضيق وكآبة وقلق، حيث إن النواة الفاعلة على حالة التوازن؛ بينما هو دامس سواده والمشرق بهاؤه قد أصيبت في تكوينها بما حل أدى إلى اهتزاز فخلد، هذه حالة من سار دربه على خط مستقيم ثم انحرف. إن الضلال من بعد الهدى أشد بأساً على النفس من الضلال نفسه، وفي هذه الحالة سيدرك الظلمة ووحشتها؛ حيث بضدها تتبين الأشياء. ولا مصدر لهذا النور إلا خالقه وخالق كل عرف وقيم اعتادتها النفس منهاجاً وسلوكاً. فحين تتجاوز حركة الفرد الحدود ونعتدي على حريات أخرى؛ يجد الإنسان لهذا صدى يضج به ضميره، ونفس الحال تنتقي الذات حالة التميز على أماني وحقوق الذات الأخرى، وكذلك تجاوز النفس فيما هو حق لها إلى حقوق الغير والمشروع من مطالبهم. إن رقابة الإنسان على نفسه وما يفكر به عقله يفترض أن يسير بالتوازي مع حالة من الحذر بحيث تلتزم الخطوة بمكانها وزمانها وإمكانها فيحل النظام النفسي والعقلي محل الفوضى وما يدبره المزاج. إن للنفس غرائز تلح على الإنسان وفي الإلحاح ما ينسجم وبشرية الإنسان وحراكه بين الخطأ والصواب والغرائز بدافع مشروع ولهدف تباركه الشرائع لا مناص منه، ولا خلل فيه على أن نسلط حالة من الانضباط على منظومة الغرائز، وفي هذا إقرار وتعريف لها. قد يعد البعض تناول المأكل في غير أوانيه سلوك يضج منه المفهوم الحضاري، وإذا كان هذا صحيحاً، فالأصح النتائج التي تعبر عن النفس في حالة التوازن، أو من غيره، وهنا أتذكر مقالات الدكتور محمد الرشيد، فأحداثها وما سجلته يؤكد حالة من التجاوز وطغيان فكر؛ خطوة إلى الوراء على الفكر المتطور الذي يحاول الفكاك من التخلص وإنعدام الحركة المتطورة فيه. في التقوى نور وهداية بها تتوازن موجودات العقل والنفس، وما يحرك كل منهما في الوسط التي تمنحه العقيدة والأعراف والقيم وتسمح به. إن التقوى ليست دعوة دينية يرددها الوعاظ، بل إنها مؤشر وفق هداه تحرك الأشياء بنا وفينا دون ظلم للنفس، أو لنفوس الغير، فبمقدار استقرار النفس والعقل تتبين مقدار ونوع الحركة التي بها تنشط النفس في أدائها وتفاعلها وفق ما يرضي الله، كذلك انعكاسه على نفوس أفراد المجتمع، وبهذا نصون النفس من الدنس، وهو صيانة للنفس الأخرى يظهر لها التقدير والإجلال. كل حراك يبذله الإنسان من نفسه وهدفه صالح عام ينعكس على مجتمعه ووطنه يؤدي إلى الرضا؛ لأن مصدره النفس وما يوجه به العقل على طريق يبدأ مسيره وينتهي بروح العقيدة، وفي رحاب الوعي الذي أنعم به على الإنسان. وأمة الإسلام بيدها كل النور وكل باعث على التطور والرقي؛ إنها غنية برصيدها وتعاليم دينها، وتلك كنوز نهتدي بها وعلى هديها نسير. فكل واحد فيها مطالب أن يفعل الطاقة لا أن يوقد الضوء.