يلقبه البعض ب «مشروع القانون العتيق» ويسميه آخرون «القانون الأطول نفساً»، ولكنه يستحق بجدارة لقب «قانون إعادة الحياة». فبعد ولادة بالغة التعثر استمرت ما يزيد على عشر سنوات، وافقت اللجنة البرلمانية المشتركة في مجلس الشعب (البرلمان) المصري على مسودة مشروع قانون نقل الأعضاء وزراعتها. اعتُبِرت الموافقة التي طال انتظارها خطوة مبدئية على طريق الحد من تجارة الأعضاء البشرية، وهي التجارة المسكوت عنها بين شتى فئات المصريين، سواء الأغنياء المرضى اللاهثين وراء شراء الأعضاء، أم الفقراء الأصحاء ممن يرمون بأنفسهم في هذه «السوق» سعياً وراء سراب التخلّص من شظف العيش. وعلى غير المعتاد في مثل هذه الحالات، اعترف وزير الصحة المصري الدكتور حاتم الجبلي، غير مرة بالارتباط الوثيق بين الفقر وانتعاش تجارة الأعضاء. وأشادت مؤسسة «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» بالمرحلة التي وصلت إليها مسودة القانون «الذي تأخر كثيراً»، معتبرة إقراره «إحدى الوسائل التي تلبي بها الحكومة المصرية التزاماتها تحت عنوان الحق في الحياة والصحة من دون تمييز»، بحسب كلماتها. وأشار الدكتور علاء غنام مدير برنامج «الحق في الصحة» في تلك المؤسسة، الى أنه على رغم ندرة المعلومات الموثّقة حول انتشار الاتجار في الأعضاء البشرية في مصر، إلا أن التقديرات الأولية تؤكد تفاقم الظاهرة، لا سيما في ظل الغياب التشريعي لتجريم تلك الممارسات. حق الاحتفاظ بالأعضاء على رغم المخاوف التي رددها البعض من أن يؤدي سن قانون في هذا الشأن إلى «تسهيل» عملية نقل أعضاء الفقراء إلى أجساد الأغنياء تحت مظلة شرعية، إلا أن اشتمال مسودة القانون الجديد على ما يسمح بنقل أعضاء من متبرعين بعد الوفاة من شأنه أن يحدّ من تلك المخاوف. في المقابل، أعرب عدد من الجمعيات الحقوقية المهتمة بالدفاع عن حقوق الإنسان، خشيتها من أن يفتح القانون أبواباً مواربة لانتهاك حق الإنسان بديهياً في الاحتفاظ بأعضائه، وعدم اضطراره إلى بيعها أو الخضوع لعمليات سرقتها لمجرد أنه فقير. وأشار الأمين العام ل «المنظمة المصرية لحقوق الإنسان» حافظ أبو سعدة إلى إنه يأمل في أن يعزّز قانون زراعة الأعضاء الضوابط قانونياً وأخلاقياً، ما يضمن ألا يتحول زرع الأعضاء إلى تجارة، وألا يتحول إقرار القانون إلى خدمة للأغنياء يدفع ثمنها الفقراء. وقال: «من المتوقع أن يصبح الفقراء قطع غيار للأغنياء، مهما كانت الضوابط القانونية لمنع البيع... الفقراء يدفعون الثمن، ويجني الأغنياء الثمار، وذلك في انتهاك للمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان». ووجدت حقوق المتوفين من يدافع عنها أيضاً. ويشار في هذا الصدد إلى أن تعريف الموت كان أصعب عقبة في القانون وهو على رأس الأسباب التي أدت إلى تعطله طويلاً. ووصفت «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» نقل الأعضاء من متوفين إلى أحياء بأنها «منع للإتجار بالأعضاء البشرية من الفقراء إلى الأغنياء، ونشر لثقافة المشاركة في هبة الحياة من دون مقابل». وفي آذار (مارس) الماضي، حسم «مجمع البحوث الإسلامية» رأيه، إذ أيّد شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي، وعميد كلية الطب في جامعة الأزهر السابق الدكتور إبراهيم بدران، ورئيس «الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين» الدكتور يوسف القرضاوي، إباحة زرع الأعضاء ونقلها، سواء بين الأحياء، أم من المتوفين إلى الأحياء. وأدخلت لجنة الصحة والشؤون الدستورية والاشتراعية في مجلس الشعب تعديلاً على المادة (12) من القانون، وأصبح نصها: «لا يجوز نقل أي عضو أو جزء من عضو أو نسيج من جسد ميت إلا بعد ثبوت موته ثبوتاً يقينياً تستحيل بعده عودته إلى الحياة. ويكون إثبات ذلك بموجب قرار يصدر بإجماع الآراء، من لجنة ثلاثة من الأطباء المتخصصين تختارها اللجنة العليا لنقل الأعضاء البشرية، وبعد أن تجري اللجنة الاختبارات الإكلينيكية والتأكيدات اللازمة للتحقّق من ثبوت الموت، وذلك طبقاً للمعايير التي تحددها اللجنة العليا لنقل الأعضاء البشرية». ويشترط بالنسبة إلى المتبرع الحيّ أن يكون كامل الأهلية، وأن يوافق برضاه التام المكتوب حصرياً على النقل، من دون مقابل مادي. وفي حال الوفاة، يمكن إجراء النقل بناء على وصية مكتوبة، ومن دون مقابل مادي أيضاً. سياحة الأعضاء يذكر أن مصر شهدت في السنوات الأخيرة الكثير من مظاهر تجارة الأعضاء وزراعتها في شكل غير قانوني. وجاء في دراسة ل «منظمة الصحة العالمية» عنوانها «وضع تجارة الأعضاء الدولية» أن نقص الإمداد الوطني من الأعضاء يؤدي دائماً إلى ازدهار مجال التجارة الدولية بها، حيث يسافر المرضى عبر الحدود للحصول على الأعضاء المطلوبة، وذلك من خلال تعاقدات تجارية. وكانت تلك المنظمة أصدرت في 2004 قراراً يلزم الدول الأعضاء باتخاذ خطوات لحماية مواطنيها الأشد فقراً والأكثر ضعفاً من «سياحة زراعة الأعضاء». وأشارت الدراسة عينها إلى بحث ميداني أجري في مصر عام 2007 على تجارة زراعة الكلى، جاء فيها أن 95 في المئة ممن «تبرعوا بكلاهم في مقابل أجر مادي» كانوا من الذكور مقابل خمسة في المئة من النساء، وأن 78 في المئة تحدثوا عن تدهور وضعهم صحياً بعد خضوعهم لتلك الجراحة، وقال 78 في المئة أيضاً أنهم أنفقوا ثمن الكلى في غضون خمسة أشهر، كما أكد 73 في المئة أنهم لم يعودوا قادرين على القيام بأعمال تتطلب جهداً بدنياً شديداً. وفي العام نفسه صُنّفت مصر ضمن أبرز خمسة مقاصد عالمياً للتجارة غير القانونية بالأعضاء، مع الصين وباكستان والفيليبين وكولومبيا. وبحسب دراسة أجراها «ائتلاف حلول فشل الأعضاء»، وهي جمعية غير حكومية مقرّها واشنطن، فإن الفقر يدفع ببعض المصريين إلى بيع أعضائهم. وحذّر كثير من الخبراء من أن غياب قانون واضح ينظم عملية زرع الأعضاء جعل من مصر مقصداً عالمياً لتجارة الكلى. وأشار الائتلاف إلى وجود عامل تجاري في 95 في المئة من عمليات نقل الكلى قانونياً، التي تصل إلى 3000 حالة سنوياً. وأُرسلت مسودة المشروع المصري إلى مجلس الشورى لإبداء الرأي، لتعود بعده إلى مجلس الشعب كي يُناقش، قبل التصويت عليه. ويشار إلى أن أبرز الأعضاء القابلة للنقل هي الكبد والكلية والرئة والقرنية. الطريف أن أجواء مناقشة القانون الجديد أعادت إلى الأذهان تصريحات وزير الصحة السابق إسماعيل سلام الذي أكد منذ عام 2001 أهمية قانون نقل الأعضاء وزراعتها مع تطبيق ضوابط ومحاذير، منوهاً بوجود 200 ألف مريض يعانون فقدان البصر ويحتاجون إلى عمليات زراعة قرنية. ويتمثّل الفارق الوحيد بين تصريحات الأمس واليوم، في ارتفاع عدد من يعانون فقدان البصر إلى 800 ألف!