هل كان الحديث عن «المثليين» - علناً في الإعلام، وسراً بين النظراء - ممنوعاً في مجتمعنا؟! هل كان ذكرهم فقط «يقزز» معظم السامعين؟! لماذا استخدمت «كان» في السؤالين؟! جواب السؤال الثالث تجدونه في عنوان هذا الخبر، الذي نشر قبل نحو عشرة أيام في إحدى الصحف: «انطلاق أول حملة إعلامية لمعالجة السلوك «الاسترجالي» للفتيات بجامعة أم القرى». هل يدعو العنوان إلى تأمل لغة خطابه؟! نعم، وكذلك الخبر. فمفردات في «الخطاب القديم» مثل «شذوذ» و«سحاق» تغيرت إلى «سلوك استرجالي»، في «الخطاب الجديد»، وفي ذلك نقطة تحول «لو تعلمون» عظيمة. ولا يحتاج الأمر إلى تفكير، كي نستنتج أن نعت فئة معينة بالشاذين وكلمات أخرى، لن يغيرهم، بل سيزيدهم شططاً، وسيجعلهم يُظهرون «مثليتهم» بعنف. وقد كتبت دراسات مختلفة تقول إن «المثليين» قد يبالغون في الاستعراض بمثليتهم إذا وجدوا من يتقزز منهم ويصدمهم، وهو ما يتعارف عليه من وجهة نظري بمفهوم الصدمة لإثبات الذات. إن استبدال نعت «السحاقيات» أو «الشاذات» ب «السلوك الاسترجالي لدى الفتيات»، يُظهر «وعياً جديداً» في الخطاب مع هذه الفئة، ووعياً جديداً في الخطاب مع «الآخرين» في مجتمعنا. وإن إطلاق حملة إعلامية رسمية هي «أعتز بأنوثتي» في مركز الدراسات الجامعية للطالبات وفي جامعة رسمية هي «أم القرى»، لهو نقلة نوعية على مستوى الخطاب الاجتماعي «المعلن». واللافت أيضاً أن عميدة الدراسات الجامعية في «أم القرى» الدكتورة نور بنت حسن قاروت، تقول إنهم تلقوا دعماً، قبل انطلاق فعالية حملتهم، مادياً ومعنوياً من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ويشير المشرف العلمي على الحملة الدكتور صابر حارص، بحسب صحيفة «الرياض»، إلى أن فكرة الحملة وأهدافها نبعت من طالبات قسم الإعلام عبر ورش عمل استثمرت أسلوب العصف الذهني ومنهج الشراكة الطلابية، بداية من التخطيط للحملة وانتهاءً بصياغة الرسائل الاقناعية والوسائل المستخدمة في مخاطبة الطالبات بشكل عام، والمسترجلات بشكل خاص، فضلاً عن توظيفها لوسائل الاتصال الجديدة كالمدونات واليوتيوب والفيس بوك وسيديهات تحمل مقاطع الفيديو. ولفتني من العبارات القصيرة الكثيرة التي تستخدمها الحملة عبارتان هما: «زوج المستقبل لا يحتاج إلى شبيه بل ينجذب لأنثى بديل»، «إذا أردتي أن تجذبي الأنظار فالأنوثة خير خطى ومآل». وعلى رغم أن الحملة الأولى المعلنة تعاطت مع «السلوك الاسترجالي» وهو الذي لا يشمل كل «المثليات» إذ إن الأخيرات لا يقفن عند تلك التي تمارس «السلوك الاسترجالي»، بل إن مفهومهن أشمل وأوسع، فمعظم المثليات يبدون في الظاهر طبيعيات حتى ل «المتقزز» منهن، او ذلك الذي يرفض حتى معرفة أسباب كونهن مثليات، على رغم ذلك التعاطي «القاصر»، فإن الحملة خطوة مهمة ويجب أن نستنبط منها ضرورة تغيير لغة خطابنا القديم مع كل «الآخرين». عصير الكلام ورد في المقال مفردة «الآخرين»، والمقصود فيها «الآخرون» الرمز لا المفردة ذاتها، لكن لضرورات نحوية تغيرت إلى «الآخرين»، و«الآخرون» الرمز لا المفردة، حضر كعنوان لفيلم أميركي لنيكول كيدمن يتحدث عن الموتى، كما حضر كعنوان لرواية سعودية للكاتبة صبا الحرز – اسم مستعار. والرواية الأخيرة تناقش قضية «المثليات»، ووجدت الرواية هجوماً شرساً، بسبب أنها غاصت في العمق قليلاً. فهل تكون حملة «أعتز بأنوثتي» بداية تغيير لغة الخطاب، من اليوم وصاعداً، مع قضايا «الآخرون» كافة، ومنهم المرأة - بالنسبة للذكوريين هي «آخرون»؟! [email protected]