قتل شخص وأصيب 10 بانفجار سيارة مفخخة استهدف القنصلية الإيطالية في القاهرة، في الهجوم الأول على بعثة ديبلوماسية منذ بدء موجة الهجمات قبل عامين في مصر. وتفقد رئيس الوزراء إبراهيم محلب ووزير الداخلية مجدي عبدالغفار محيط الانفجار، فيما تلقى الرئيس عبدالفتاح السيسي اتصالاً هاتفياً من رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي أكد فيه تضامن بلاده مع مصر. وعلى رغم أن الانفجار وقع في شارع رئيسي قرب ميدان التحرير في وسط القاهرة، إلا أن توقيته قلل من الخسائر البشرية، إذ انفجرت السيارة قبل السابعة من صباح أمس، في يوم عطلة رسمية للمصالح الحكومية والقنصلية التي لم يصب أي من طاقمها، كونها كانت مُغلقة. والقصر العتيق المبني على الطراز الإيطالي القديم، بشرفاته المزخرف زجاجها بنقوشات ملونة نادرة، وبهوه الفسيح الذي تتدلي منه نجفة (ثريا) ضخمة، أصابته أضرار بالغة، إذ تهدمت واجهته تماماً، وانهار جزء من المبنى العتيق نتيجة الانفجار. وتبين أن السيارة لُغمت بكميات كبيرة من المتفجرات، إذ تطايرت أجزاء منها على مسافة بعيدة، وجد بعضها أعلى جسر أكتوبر المواجه لمبنى القنصلية، وتحطم زجاج بنايات تبعد مئات الأمتار عن موقع الانفجار، منها نقابة الصحافيين والمتحف المصري، في وسط القاهرة. كما لحقت خسائر بالغة بمنازل منطقة «رملة بولاق» العشوائية خلف موقع التفجير. ووقع الانفجار في منطقة تشهد تشديداً أمنياً لافتاً، فالقنصلية الإيطالية تُطل على ميدان عبدالمنعم رياض في وسط القاهرة، وتقع على بعد أمتار من ميدان التحرير الذي يكتظ بقوات الشرطة، وهي قريبة جداً من مبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو) على كورنيش النيل الذي يؤمنه الجيش والشرطة، ومبنى وزارة الخارجية، ومبنى دار القضاء العالي. ولم يتضح على الفور كيفية انفجار السيارة، وما إذا فُجرت من بعد أم من طريق عبوة موقتة، وسط شكوك أمنية بأن السيارة كانت مُعدّة لاستهداف موقع آخر في تلك المنطقة التي تضم عشرات المقار المهمة، نظراً إلى توقيت الهجوم وهدفه. وقتل بائع متجول وجُرح 10 أشخاص في الانفجار الذي سبب دوياً هائلاً سُمع من مسافة بعيدة، وأحدث حفرة عميقة أمام مبنى القنصلية، وغمرت المياه المنطقة المحيطة بالقنصلية، خصوصاً شارع الجلاء المواجه للمبنى، نتيجة انفجار أنبوب للمياه في الهجوم. وطوقت قوات الأمن محيط الانفجار، وجمعت حطام السيارة، واستجوبت شهوداً في المنطقة. وطلب محققو النيابة من الشرطة مصادرة كاميرات المراقبة في محيط الانفجار، لتفريغها، فيما دلت معاينة النيابة الأولية لحطام السيارة المستخدمة في الهجوم أنها مُرخصة في مدينة السويس. وأتى التفجير بعد أقل من شهر من اغتيال النائب العام السابق المستشار هشام بركات، بسيارة مُفخخة فُجرت من بعد، لحظة مرور موكبه قرب منزله، عند السور الخلفي للكلية الحربية. ويؤكد التفجيران أن تنظيماً إرهابياً تمكن من اختراق الإجراءات الأمنية المُشددة التي تفرضها قوات الأمن حول العاصمة المصرية، ووصل بسيارتين مُفخختين قرب أكثر المناطق تأميناً، وسط القاهرة وشرقها بجوار الكلية الحربية. ويشير تفجير القنصلية الإيطالية إلى أن الجماعات الإرهابية تسعى إلى تشتيت قوات الأمن، من خلال تنويع أهدافها، فمنذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي في 3 تموز (يوليو) من عام 2013، اقتصرت الضربات الإرهابية على استهداف قوات الجيش والشرطة والمنشآت الحكومية، خصوصاً الأمنية أو الخدمية وتحديداً أبراج الكهرباء ومحطات المياه. لكن قبل شهور شرع مسلحون في استهداف القضاة، بعد تواتر صدور أحكام بالإعدام ضد قادة جماعة «الإخوان المسلمين»، وبلغت تلك الموجة ذروتها بقتل النائب العام. ولم تعتد الجماعات المُسلحة استهداف المصالح الأجنبية بعمليات نوعية، إذ اقتصرت أعنف هجماتها على حرق أو تكسير أفرع شركات أجنبية خلال مسيرات «الإخوان»، أو تحطيم سيارة تحمل لوحات ديبلوماسية. والهجوم هو الأول الذي يستهدف مقراً ديبلوماسياً بتفجير نوعي، لأحد أبرز حلفاء القاهرة الأوروبيين، وربما سيلحق ضرراً بالسياحة الوافدة بالنظر إلى صدى الاعتداء في إيطاليا، باعتبارها بين أعلى الدول المصدرة للسياح إلى مصر. وتفقد رئيس الوزراء ووزير الداخلية محيط الانفجار الذي وقع فيما تستعد الأجهزة الأمنية لإعلان الاستنفار خلال احتفالات عيد الفطر، وبعد يومين من اجتماع أمني رفيع، رأسه الرئيس عبدالفتاح السيسي وضم وزير الدفاع الفريق أول صدقي صبحي ورئيس الأركان الفريق محمود حجازي ووزير الداخلية مجدي عبدالغفار وقادة أجهزة الاستخبارات. وقالت رئاسة الجمهورية في بيان أن الرئيس السيسي تلقى اتصالاً هاتفياً من رئيس الوزراء الإيطالي أكد فيه تضامن بلاده مع مصر في مثل تلك اللحظات، مشدداً على أن بلاده عازمة على مكافحة الإرهاب من أجل دحره والقضاء عليه. وقال المتحدث باسم الرئاسة أن السيسي أكد تقدير مصر المواقف الإيطالية المساندة للجهود المصرية المبذولة لمكافحة الإرهاب. وشدد على أن مثل هذه الأحداث الإرهابية تؤكد أهمية تضافر الجهود الدولية من أجل مكافحة الإرهاب والحفاظ على مقدرات الشعوب. وقال السيسي خلال الاتصال أن مصر تولي العناية الواجبة لكل مقار البعثات الديبلوماسية والقنصلية الموجودة على أراضيها. وشكر رئيس الوزراء الإيطالي الرئيس المصري لما قامت به السلطات المعنية من تعاون كامل واستجابة سريعة للتعامل مع تداعيات الحادث. كما أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالاً هاتفياً مع نظيره الإيطالي باولو جينتليوني، دان خلاله الوزير الإيطالي الهجوم، معرباً عن تضامنه الكامل مع مصر في حربها ضد الإرهاب. وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية السفير بدر عبدالعاطي بأن شكري قدم خلال الاتصال المعلومات المتوافرة حول الهجوم الإرهابي، وأعرب عن إدانة مصر حكومة وشعباً له، مشدداً على أن مصر لن تتوانى عن مواصلة جهودها وتكثيفها مع مختلف دول العالم من بينها إيطاليا لمحاربة الإرهاب والعمل على اجتثاثه من جذوره ودحره. وحذر شكري من أن الإرهاب لن يتورع عن استخدام أدواته الخسيسة ضد الأبرياء، مشدداً على عزم مصر على إفشال المخططات التي تستهدف الاستقرار في البلاد والقضاء على التنظيمات الإرهابية كافة. وشددت قوات الأمن من وجودها المُعلن والسري في محيط المقار الديبلوماسية الأجنبية، فيما دانت السفارة الأميركية في القاهرة الهجوم. وقالت في بيان أنها تكرر دعمها الراسخ لمصر في حربها ضد الإرهاب. ونددت فرنسا بالهجوم، مؤكدة وقوفها «إلى جانب مصر وإيطاليا في مكافحة الإرهاب». كما دان الاتحاد الأوروبي في بيان «محاولة جديدة لتحدي التصميم المصري والأوروبي على مكافحة الإرهاب». وعلى الفور، أعلن وزير الخارجية الإيطالي باولو جنتيلوني، أن الاعتداء الذي استهدف قنصلية بلاده في القاهرة «لن يخيفنا»، موضحاً أنه لم يسفر عن ضحايا إيطاليين. وقال الوزير على حسابه في «تويتر»: «استهدفت قنبلة قنصليتنا في القاهرة، لم يقع ضحايا إيطاليون. نحن الى جانب الأشخاص المصابين وموظفّينا. إيطاليا لن تخاف». ومنذ عزل مرسي في تموز (يوليو) 2013، تكثّفت الهجمات في مصر مستهدفةً في شكل خاص قوات الأمن. وأكثر الاعتداءات دموية وقعت في شمال شبه جزيرة سيناء، حيث تبنى الفرع المصري لتنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، سلسلة هجمات دامية على الجيش في الأول من تموز (يوليو). وأفاد الجيش بمقتل 21 جندياً في أعمال العنف الأخيرة. لكن القاهرة ومدن دلتا النيل لم تبقَ في منأى عن هذه الهجمات، التي أدت الى مقتل مئات من عناصر الشرطة والجيش. وفي التاسع والعشرين من حزيران (يونيو)، قُتل النائب العام المصري في تفجير بسيارة مفخّخة استهدف موكبه في القاهرة. وبعد هذه الهجمات، توعّد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بتشديد قوانين «مكافحة الإرهاب» لتنفيذ العقوبات الجنائية ضد المتشدّدين في شكل أسرع. ووافقت حكومته على مشروع قانون مكافحة الإرهاب، إلا أنه لم ينفذ بعد احتجاجات من الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان. وتوصي المادة 33 من القانون، بالسجن لمدة عامين على الأقل، «كل من تعمّد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أي عمليات إرهابية، بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية». وفي مواجهة الانتقادات، أشارت الحكومة الى أنها قد تعيد النظر في النص.