يؤكد الشاعر حسن السبع أن لكل جيل زمانه الجميل، مشيراً إلى أنه يحنُّ إلى ضجيج الثمانينات لكنه لا يذرف الدموع، ويرى أن ذلك من أشكال الحنين المباح. ويقول: «فنون الزمن الجميل وصحافته وأعياده وأطعمته وعاداته وتقاليده وقيمه. ولو سألتهم: من منكم يريد العودة إلى الماضي؟ لما وجدت عاقلاً يقبل بالعودة إليه. إنها رغبة في استعادة الزمن إلى الذاكرة لا العودة إليه، ويبدو أن الماضي جميل لأنه ذهب ولن يعود، كما يقال». إن الكلام عن ضجيج الثمانينات يقودنا إلى السؤال الآتي: «ما هي أسباب حالات المد أو الجزر التي تنتاب الحياة الثقافية بين عقد من الزمان وآخر؟ إذ شكلت الفترة الممتدة من بداية الثمانينات إلى نهايتها عقداً ثقافياً نشطاً ومتحولاً، بل منعطفاً مهماً في التجربة المحلية على المستويين النقدي والإبداعي. إذ دشنت الظروف خلال هذا العقد (ورشة عمل أدبية) أكثر ضجيجاً وحركة من السنوات السابقة أو اللاحقة»، لافتاً إلى أنه ليس «بصدد الانتصار لعقد ثقافي على آخر، فالنشاط الثقافي في هذا العقد ليس سوى نتيجة لمقدمات تشكّلت خلال مرحلة سابقة. ولكن هذا لا يحول دون تميز مرحلة على أخرى من حيث الحركة والعطاء، وتميزت المرحلة تلك بتجاور وتماس التوجهات الأدبية المختلفة، وأضاء اختلاف الأصوات، في تلك المرحلة، ساحة الحوار، مع ذلك، لم يكن الحوار دائماً، موضوعياً أو متكافئاً. إذ اصطف في ساحته المبدع والمتبع وعابر السبيل. وكانت ساحة الحوار الرئيسية الملاحق الثقافية في الصحف والمجلات المحلية، ولعبت دوراً بارزاً في هذا التفاعل الثقافي. تضاف إلى ذلك ساحة الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون عبر نشاطاتها المنبرية، ومنتدياتها الخاصة. ولم يقتصر السجال الثقافي على تياري التقليد والتجديد، إذ تفجّر سجال آخر داخل تيار التجديد نفسه حول تجربة قصيدة النثر، بعد أن حسمت ثنائية العمودي / الحر. وكأي تجربة جديدة أثارت هذه التجربة جدالاً بقي غباره عالقاً في سماء الثمانينات فترة طويلة». ويتطرق إلى أن الساحة الثقافية، آنذاك «كانت تمر بحالة دهشة أو انبهار، إذ غالباً ما يستقبل العمل النقدي أو النص الأدبي باحتفاء لا مثيل له في أيامنا هذه، ولو كتبت بعض تلك الاجتهادات النقدية أو بعض تلك النصوص الأدبية في المناخ الثقافي السائد هذه الأيام لما أثارت كل ذلك الضجيج، ذلك أن بعض الكتابات الأدبية التي رأت النور في هذا العقد لم تنل ذلك الاحتفاء على رغم أهميتها. لكن هذا الاستنتاج لا يقلل من أهمية تلك الأعمال النقدية أو الإبداعية التي صدرت في الثمانينات، لأنها مازالت تحافظ على بهائها وجدتها وستبقى كذلك. كما أن هذا القول لا يناقض استنتاجنا المتضمن أن الساحة الثقافية المحلية مرت آنذاك بدهشة البدايات، وهذا واحد من الاحتمالات العديدة التي تفسّر ظاهرة الحركة والتحفز والضجيج في تلك المرحلة. ويبدو أن الساحة الثقافية، آنذاك، لم تكن منجذبة ومزهوة بالمختلف على مستوى الشكل فحسب، لكنها كانت حبلى بمضامين زاهية وآمال كبيرة و»يوتوبيات» انهارت في ما بعد. أجل، ينبغي توثيق تلك الفترة وغيرها، شريطة ألا تختزل في شخص واحد، أو «كارتيل» ثقافي واحد».