لا تقول قرارات الهيئة المعروفة باسم «المساءلة والعدالة» في العراق شيئاً لا نعرفه عن الوضع العراقي: شرذمة مذهبية داخلية. وصاية خارجية شبه كاملة على القرارات الاساسية للحكومة العراقية. استقواء بهذا الخارج الاقليمي على بعض أهل الداخل، ما يشكل افضل وصفة لاستمرار حال الاستعداء بين مكونات المجتمع العراقي. هذا الاستعداء هو ما ورثه العراق عن حكم صدام حسين. واذا كان صحيحاً ان حكم صدام دفع قسماً لا يستهان به من العراقيين الى التهميش، واحياناً الى البحث عن الحماية الخارجية، هذه الحماية التي تحولت اليوم الى الوصاية التي نتحدث عنها، فماذا فعل الحكم في بغداد منذ سلّمه الاحتلال الاميركي مقاليد العراق ومفاتيح القرار فيه؟ ماذا فعل سوى الاستمرار في سياسة التهميش ذاتها، بدل ان يبحث عما يسعف في اعادة وصل اللحمة الوطنية العراقية المقطوعة؟ أليس غريباً انه في الوقت الذي يبحث هذا الاحتلال عن سبيل للخروج من العراق، لا يفعل الاوصياء على الحكم العراقي سوى دفع من أغراهم هذا الاحتلال ذاته بالمشاركة في العملية السياسية الى الامتناع عن هذه المشاركة، بل هو يطردهم منها تحت شعارات واهية، مثل شعار «العدالة» الذي يمكن ان ترتكب تحته كل انواع المعاصي؟ هناك مقارنات تجري بين استئصال حزب البعث في العراق واستئصال النازية من الجسم السياسي الالماني بعد الحرب العالمية الثانية. من هذه المقارنات ما جرى على لسان محمد الحيدري، عضو البرلمان العراقي واحد زعماء «المجلس الاسلامي الاعلى». مقارنات يمكن ان تكون في محلها لولا أن لون الانتقام المذهبي هو اللون الطاغي على القرارات الاخيرة باستبعاد خمسمئة شخص من لوائح الترشيح للانتخابات المقررة في آذار (مارس) المقبل، وهناك من يتوقع ان يقفز هذا العدد الى الالف. ويمكن ان تكون المقارنات في محلها لولا اننا الآن بعد ما يقارب سبع سنوات على سقوط نظام البعث في العراق، نكتشف ان اتهامات لا تزال توجه الى مسؤولين في حكومات ما بعد البعث واعضاء في البرلمان وقادة احزاب سياسية بالانتماء الى هذا الحزب! ألا يستدعي هذا سؤالاً عن اين كانت هذه «المساءلة والعدالة»، وريثة بول بريمر، خلال كل هذه السنوات؟ وكيف لها ان تقنع أحداً أن شخصاً تم تكليفه بادارة وزارة الدفاع العراقية على مدى اربع سنوات، يظهر الآن أنه «بعثي»! ألا يصح التساؤل عما اذا كان الانتماء المذهبي لهذا الرجل ولغيره هو الدافع الحقيقي وراء هذه القرارات؟ ليس هناك اسهل من الاتكاء على حماية الانظمة الايديولوجية لتحقيق اغراض سياسية ضد المعارضين. ومع ان النظام العراقي ليس موصوفاً حتى الآن بانه ذو هوية دينية (ولاية الفقيه) تستدعي الحماية على نسق ما هو قائم في ايران، فان ل «هيئة المساءلة والعدالة» شقيقاً ايرانياً يدعى «مجلس صيانة الدستور». وباسم الحرص على «نظافة» النظام و»نصاعته» في طهران، يُجري هذا المجلس، قبل كل انتخابات، عملية استئصال واسعة لعشرات المرشحين، بحجة انهم «اعداء الثورة»، هذه الثورة التي مضى على قيامها ثلاثون عاماً، وما زالت تكتشف كل اربع سنوات ان لها «اعداء» في الداخل يشكلون خطراً عليها، لمجرد ترشّحهم للانتخابات!! الحركة الصهيونية حوّلت هي ايضاً ملاحقة من يجري اتهامهم بالنازيين الجدد الى بضاعة كاسبة، تحقق من خلالها ارباحاً اقتصادية ودعماً سياسياً، وترفعها سيفاً مصلتاً على كل الانظمة الغربية، يردفها طبعاً شعار محاربة العداء للسامية، الذي تستظل اسرائيل به لتحقيق اغراضها. ومثلما نجد في الاستغلال الصهيوني لشعار نظيف الوجه، مثل محاربة الفكر النازي او معاداة السامية، استغلالاً رخيصاً بات مفضوحاً، يفترض كذلك ان لا تتحول الحرب على حزب البعث في العراق، وقد دفع ثمن ممارساته على كل حال، الى شعار لمحاربة خصوم من يمسكون بدفة الحكم في بغداد اليوم، ومن يقفون وراءهم كذلك.