قرأت حديثاً مجموعة من القصص كتبها أطفال فلسطينيون، ونشرتها دار «كلمات» في الشارقة بالتعاون مع المجلس العالمي لكتُب اليافعين، وشدّت انتباهي قصّة عنوانها «حوار في المشرحة» تقدّم في طريقة لافتة حواراً بين الأختين «لَمَا» و«هَيَا» اللّتين استشهدتا في قصف إسرائيلي على مدينتهما. يبدأ الحوار بوصف الجوّ البارد في المشرحة: لَمَا: لماذا القبر بارد إلى هذا الحدّ ويلمع كالمعدن؟ هَيَا: هذا ليس قبراً، هذه مشرحة كما نشاهد في التلفزيون. لَمَا: هل تظنّين أن رفاق الصفّ يروننا؟ هَيَا: طبعا فنحن شهيدتان الآن! ثمّ يتشعّب الحوار بين الأختين ليفضي إلى الحديث عن الحياة: لَمَا: أنا صغيرة السنّ، أريد أن أصبح طبيبة عندما أكبرُ، لا أريد أن أموت الآن! هَيَا: أخلدي إلى النوم الآن، غداً نحن ذاهبتان إلى اللّه، علينا أن نستيقظ باكراً. لكنّ «هَيَا» تظلّ على موتها متشبّثة بالحياة، مصرّة على العودة إلى بيتها، والجلوس أمام التلفزيون. لَمَا: أتعرفين، كنت أريد أن أعرف ماذا سيحدث في نهاية المسلسل الطويل الذي كنّا نشاهده، هل تظنّين أن لديهم تلفازاً في الجنّة؟ مازلت أشعر بالبرد. هَيَا: تعاليْ، واستلقي إلى جانبي! غير أن «لَمَا» تقتنع، ولو لحين، أنّها فارقت الحياة، وعليها أن تتهيّأ لليوم الآخر، يوم الحساب. لَمَا: هل تظنّين أنّه عندما نذهب إلى اللّه سيضعونني في الجَحيمِ؟ هَيَا: لماذا؟ ماذا فعلت لتستحقّي ذلك؟ لَمَا: في الأسبوع الماضي أخذت قلمَ إياد ولم أعده إليه، هل تظنين أنّه غاضب مني؟ هَيَا: كلاّ، كلاّ، لا تقلقي بشأن ذلك، إن إياد يصلّي لأجلك الآن! ينقطع الحوار الدائر بين الأختين حين يدخل المصوّرون ليلتقطوا صوراً للشهيدتين داخل المشرحة ثمّ يستأنف من جديد بعد خروجهم: لَمَا: لماذا لا يجلبون لنا الطعام هنا؟ هَيَا: أيّ طعام؟ نحن ميّتتان، ما بك؟ لَمَا: منذ أقلّ من دقيقة قلت إننا شهيدتان وأنا جائعة! هَيَا: انتظري حتى الصباح، وسنأكل في الجنّة! ومن جديد تحنّ الأختان إلى العود إلى بيتهما، فالبقاء في المشرحة مملّ، وغير ذي جدوى: لَمَا: أريدُ العودة إلى البيت! هَيَا: بيتُنَا دُمّرَ ليْسَ من حجر واحد باق منه.. بيتنا عند الله! لَمَا: هل من مدارس هناك؟ هَيَا: كلاَّ، لا مدارس! ثم تعرج الأختان على اختلافاتهما السياسيّة و الحزبية: هَيَا: لست أدري، هناك الكثير من الشهداء اليوم، سيكون هناك ازدحام غداً. لَمَا: غدا سأبحث عن قائد حماس الشهيد الشيخ ياسين و ألقي عليه التحية هَيَا: و أنا سأجد الشهيد ياسر عرفات. لَمَا: نعم، لطالما أحببت فتح أكثر. هَيَا: نعم، ولكن أنت تحبين حماس، و مازلت أجهل السّبب. لَمَا: أبونا يحب حماس. هَيَا: و لكن أمّنا تحبّ فتح. فِي آخر الحوار تتساءل «لَمَا» عن سبب موتها، فقد ظلّ لغزاً يقضُّ مضجعها: لَمَا: أريد أن أعرف لماذا متُّ؟ وتأتي الإجابة بسيطة لكنها صاعقة. هَيَا: نحن الفلسطينيين نموت دائِماً ما الأمر العظيم في ذلك؟ وينتهي الحوار بتصوير شوق «لَمَا» الجارف إلى الحياة: لو كنت في البيت الآن لصنعت «سندويتش» سأموت من أجل «سندويتش».. تقول السيدة جيهان حلو رئيسة المجلس العالمي لكتب اليافعين أنها تلقّّت هذه القصّة التي تداولتها الأعين بالدهشة والإعجاب والألم غير ممهورة باسم كاتبها، أو كاتبتها و«إلى حدّ الآن لم نعرف اسم صاحبها»، «ثم تضيف السيدة جيهان إنّها، بالمقابل، تعرف «الشهيدتين» «لَمَا» و«هَيَا» فقد كانتا من الروّاد الدائمين لمكتبة المجلس العالمي لكتب اليافعين في منطقة بيت حنون».