صدرت في بيروت الشهر الماضي «رواية» سياسية مثيرة، عنوانها «صدام مر من هنا»، بقلم غسان شربل، والرواية العراقية تشبه الى حد بعيد رواية «العرّاب» الشهيرة، التي تحكي قصة نفوذ رجل من المافيا الإيطالية عاش في أميركا. فبين بطل الرواية الأولى فيتو كورليون، وبطل الثانية صدام حسين تشابه مثير الى حد التطابق، فكاتب رواية «العرّاب» يصف كورليون بالطاغية الطيب والودود، وقاتل يعطي صداقته من دون أن يجرؤ أحد على رفضها، وكذلك الأمر بالنسبة الى صدام حسين، حيث يجمع شهود رواية غسان شربل على ان صدام ديكتاتور في غاية الأدب واللياقة والاحترام، ولا يستخدم الالفاظ الخشنة، على رغم انه استهل عهده بإعدام 54 من القياديين والكوادر الحزبية، فضلاً عن ان الروايتين تضجان بالعنف والخوف ورائحة الموت وكثرة الأسماء، وربما احتاج غسان شربل لنشر روايته الى بضعة أجزاء لو أراد المؤلف تتبع كل الأسماء التي مرت خلال سرده قصة صدام حسين. استمع غسان شربل في رواية «صدام مر من هنا» الى أربعة شهود، يمثلون مراحل مختلفة في تاريخ العراق، وحياة صدام حسين، هم: حازم جواد، رئيس المكتب العسكري لحزب البعث خلال الثورة التي قامت عام 1963، وهو نقل تجربة البعث الأولى، يليه صلاح عمر العلي الذي لعب دوراً مهماً في حياة صدام من خلال الحزب والحكومة، وعاصر بداية نفوذه حتى وصوله الى سدة الحكم، ثم نزار الخزرجي الرئيس السابق لأركان الجيش العراقي، وأخيراً أحمد الجلبي الذي لمع نجمه في عهد الاحتلال، وكان شاهداً على تفاصيل إلقاء القبض على صدام وإعدامه. استطاع غسان شربل في رواية «صدام مر من هنا» توظيف فنون الدراما والسرد، والانتقال من الحاضر الى الماضي، ونجح الى حد بعيد في اختصار قصة العراق الحديث المعقدة، ونقلها بطريقة مثيرة ومشوقة، فكتب تاريخ العراق بشهادات عراقية، لكن المتتبع لفصول الرواية المثيرة سيجد ان شهادة كل من حازم جواد وصلاح عمر العلي هي الأكثر ثراء وإثارة، أما الخزرجي، فشهادته تؤكد الموقع الهامشي للعسكريين في حكم صدام حسين، ويكفي انه عرف باحتلال الكويت بعد انتهاء العملية، وهو رئيس هيئة الأركان. لكن غير المريح في هذه الرواية هو دور أحمد الجلبي، الذي استطاع ان يزين دوره على نحو يعد سابقة في تزوير التاريخ، ويجمّل التآمر على العراق والمنطقة، لكنه لم يستطع إخفاء سعيه للقبض على صدام حسين، ووضعه على منصة المشنقة. الأكيد ان من يقرأ كتاب «صدام مر من هنا» سيدرك السبب الحقيقي الذي أوصل العراق الى ما هو فيه اليوم، وسيكتشف، على رغم كل المرافعات والتبريرات، ان حزب «البعث» هو الذي وضع العراق في الحفرة.