لا يمكن لأي كان إلا أن ينزعج مما يزعم الحاكمون في فرنسا القيام به في مناسبة ذكرى مرور نصف قرن على رحيل صاحب «السقطة». فهم، بنقل رفاته إلى «مقبرة العظماء» «البانتيون»، سيقومون بمحاولة احتواء توظف جثة الأديب الفرنسي لتجعله يمينياً بالرغم من أنفه، وهذا على رغم حرصه الشديد أثناء حياته على ألا ينضوي انضواء مباشراً لا سياسياً ولا ايديولوجياً. لا يعني ذلك بطبيعة الحال أن مواقف مؤلف رواية «الغريب» كانت واضحة لا تخلو من أي التباس. فربما كان عكس ذلك هو الصحيح. وهذا ما طبع موقف الجميع منه: فرنسيين وجزائريين، عرباً وأوروبيين، يساريين ويمينيين، الكل كان يشعر شعوراً مزدوجاً إزاء صاحب مسرحية «سوء تفاهم». ففيما يخصنا نحن العرب، لم يكن لأي منا إلا أن يشارك صاحب «أعراس» فرحته المتوسطية، ويقظته الدائمة، ودفاعه المستميت عن «الفقراء» والمظلومين، إلا أننا لم نستطع على رغم ذلك أن نغفر لمؤلف رواية «الطاعون» أن يصور مدينة وهران التي تدور فيها الأحداث «وكأن لا عربي يقطنها»، كما أننا لم نستطع أن نتقبل كونه جعل بطله «الغريب»، الذي يرى الوجود عارياً من المعنى، والذي لا يرى فرقاً بين الأحزان والمسرات، ولا بين الموت والحياة، جعله يوجه أكثر من طلقة نار، عند شاطئ البحر و «بفعل أشعة الشمس»، نحو عربي، أو بتعبيره هو «نحو واحد من العرب». هذا الشعور الملتبس هو الذي دفعنا ربما إلى أن نحس أننا على رغم «محبتنا» لكامو، فنحن كنا أكثر قرباً من سارتر، وأننا على رغم عطفنا على ميرسولت وتعاطفنا معه، فقد كنا أكثر «تفاهماً» مع روكنتان. ولعل ما زاد الأمر حدة كوننا ربما لم نكن نجد لا في « أسطورة سيزيف»، ولا حتى في «الإنسان المتمرد» قوة كتابة سارتر وشطحاته الجدلية. صحيح أننا سنتبين في ما بعد أن سارتر نفسه لم يكن بالقوة الفلسفية التي كنا نتوهمها، إلا أننا لا نستطيع أن ننكر على رغم ذلك قوة حضور صاحب «ما هو الأدب؟» وقدرته على أن يجعل جل من يحيطون به وحواليه في «منطقة الظل». وعلى رغم ذلك لا يمكن لنا أن نذهب حتى القول إن بقاء كامو «وحيداً» وانعزاله» (وربما عزله) عن حاشية سارتر قد حالا بالفعل دون مواظبته على الكتابة ضد العنف والظلم والحرمان، إلا أننا لا يمكن إلا أن نقر بأنه لم يتمكن مع ذلك من أن يختار اختياراً واضحاً العدالة والتحرر بدل حنان أمه ولفحات شمس «تيبازة».