فقدت فرنسا أمس واحداً من أبرز رموز الديغولية بوفاة رئيس ديوان المحاسبة فيليب سيغان عن 66 سنة بنوبة قلبية، بعد توليه على مدى 40 سنة مناصب رسمية متعددة، جسد من خلالها تصوره الخاص لما ينبغي أن تكون عليه بلاده. وجسد سيغان المولود في تونس، سيرة السياسي المشاكس وصاحب الطبع «البركاني» نظراً لقدرات الغضب الرائجة عنه. لكنه جسد أيضاً ومن خلال توليه مناصب نيابية ووزارية إضافة الى رئاسة الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) وحزب «الاتحاد من أجل الديموقراطية» الذي تحول لاحقاً الى «الاتحاد من أجل الحركة الشعبية» (الحاكم حالياً) صورة رجل صريح ومباشر ومدافع عن الحق حتى ولو كان الى جانب خصومه السياسيين. ومن هذا المنطلق أيّد سيغان عام 1981، خلال تصويت برلماني إلغاء عقوبة الإعدام في فرنسا، على رغم كونها من الوعود الانتخابية للرئيس الاشتراكي الراحل فرانسوا ميتران. كما تحول الى محط غضب الوسط السياسي الفرنسي لخروجه عن شبه الإجماع الذي كان سائداً حول ضرورة إقرار معاهدة ماستريخت التي أدت الى الوحدة الأوروبية. وأثناء توليه رئاسة البرلمان، لم يتردد سيغان في إدانة سياسة رئيس الحكومة آنذاك إدوار بالادور، الذي ينتمي الى أسرته السياسية نفسها ووصفها بأنها «مجزرة اجتماعية». وعارض سيغان بالطبع بالادور لدى منافسته الرئيس السابق جاك شيراك في انتخابات الرئاسة عام 1995، مع العلم بأن الرئيس نيكولا ساركوزي كان أيد بالادور في هذه الانتخابات. ومن أواخر معاركه، الانتقادات التي وجهها من منطلق ترؤسه ديوان المحاسبة للعجز المتزايد في الموازنة الفرنسية، موضحاً أن عبء الدين المترتب عن ذلك على كل فرد في فرنسا يقدر بنحو 50 ألف يورو. وفور صدور نبأ وفاته، توالت ردود فعل الأسى والأسف من مجمل الطبقة السياسية الفرنسية بدءاً بساركوزي الذي أشاد بتمسكه بقناعاته مروراً بشيراك الذي قال إنه فقد صديقاً غالياً ورجل دولة مميز وصولاً الى الأمينة العامة للحزب الاشتراكي مارتين أوبري التي وصفته بالجمهوري الذي يحظى بالاحترام على نطاق أوسع من نطاق أسرته السياسية.