هي المرة الأولى التي تسألني ميرنا هل علمت ما حلّ بحسين؟ التوقعات الأسوأ ستكون انك انزلقت على الدرج، وانفسخت إلى نصفين وكل نصف منك بقي في مكان، ولكنك لا تزال قادراً على الكلام لأنك لا تقوى على الصمت، تماماً كما كنت تصف ما حلّ بها لمجرد أنها أخذت يوم إجازة. ولكن احذر ماذا كانت نكاتك عن ميرنا أكثر سلاسة وهضامة، لأنها لم تحسن إضحاكنا اليوم. قالت حسين ضربته سيارة... لا بأس سيكلّفنا سعر باقة ورود وبرمجة زيارة إلى المستشفى، يتردد في رأسك الذي لا يزال مأخوذاً بالنوم. تجهش ميرنا بالبكاء، وتضيف: بقي ربع ساعة على الأرض. لم ينجده أحد، فالسائق صدمه وفرّ هارباً... حتماً اتصل حسين بفوزي أو مصطفى فأسرعا إلى نجدته، فهو كان قد ألقى عليهما التحية المسائية قبل دقائق قليلة، وحتماً اجتمعوا ليقرروا متى سيعودونه في المستشفى. شهقت ميرنا قبل البوح بالساعة وقالت "الدفن اليوم الساعة 12". الدفن؟ دفن من؟ حسين؟ أجل لقد قالت ميرنا أن سيارة دهسته ولكنها لم تقل أنه مات. في ثوانٍ قليلة ألقت ميرنا الخبر، ولكن استعادته توحي أنه استغرق ساعات. رسالة قصيرة من فيصل يسأل إن كنت قد استيقظت، اتصلت به، قال أنت مستيقظة باكراً؟ قلت لقد استيقظت على اتصال من ميرنا. غصّ صوته على الأقل نمت في الليل لم نشأ أن نقول لك. يعلو صوت ميرنا تنقل خبرك كزميل أصيل لها. يعبق الرأس بالأخبار، ويفيض الزملاء بالشرح عمّا حدث، وتكثر الذكريات، إلى حين الوصول إلى باب الجريدة. ما أسرع طباعة أوراق النعي، أوراق بالأبيض والأسود لا تلبث أن تعلّق بسرعة يكاد المرء لا يفهمها إذ تبدو أسرع من الموت بالتسلل إلى الحياة. كان من المنتظر أن نمضي السهرة اليوم معا، حيث يخرج صوتك من وراء الحاجز الخشبي معلقاً على خبرية أو ساخراً من أحد الزملاء. حتى عندما لا تتوجه بالكلام إلينا نضحك، لاتصالك بزوجتك تخبرها ما جرى أو يجري في أحداث أحد المسلسلات الخارجة من التاريخ، إذ أن القناة الوحيدة التي يلتقطها تلفزيونك في غرفتك الضيقة هي تلفزيون لبنان. ولن تؤنب ابنك لأنه لا يزال ساهراً قبل أن تردف بحنان "طيب طيب هلق بجي، بس هلق فوت نطرني بالتخت". آه، ما أسرع أوراق النعي، ها أنت تأخذ مكاناً على الجدار في المدخل، لن يسأل أحد عن المطبوع على الورقة، سنشيح بنظرنا عنها الواحد تلو الآخر، علّ الخبر يتغير، فالتمحيص كان عادة لمعرفة والد أو جد أو والدة مَن مِن الزملاء انتقل إلى رحمة الله تعالى. لا نعرف إن كنت غدرتنا أو غدر بنا وبك القدر. هكذا قلت كلمتك ومشيت، قلت لهم تصبحون على خير، فإذا بك تصبحنا جميعاً بخبر رحيلك.