اعتاد رواد المراكز العامة والتجارية خلال وجودهم لقاء حاجاتهم أن يشاهدوا «النساء» يقمن بتوزيع النظرات يمنة ويسرة منتقدين ذلك الشاب الذي يرتدي القميص «البرتقالي» أو تلك الفتاة التي تتباهى بحذائها ذي اللون «الأحمر الصارخ»، أو تسريحة عامل بأحد المحال، إضافة إلى انتقادهن بعض البضائع التي لا تروق لهن. لكن الحال اختلفت أخيراً، فأصبح المتسوقون لا يرون سوى تلك الفتاة التي تسير وهي حانية رأسها، وعندما تشاهد فتاة «مطأطئة» رأسها في المراكز التجارية خلال سيرها فلا يعتبر ذلك حياءً، ولكنها مشغولة بإرسال رسالة «دردشة» من «البلاك بيري» ولا تستطيع تأجيلها. هذه هي حال بعض الفتيات في الأسواق والمراكز التجارية، بعد أن ظهرت خاصية التواصل عن طريق «الدردشة» عبر أجهزة المحمول الجديدة، التي عرفت بهواتف «الأعمال»، إلا أن البعض اعتبرها طريقة تواصل مع الأصدقاء بدلاً من ارتفاع كلفة المكالمات، وأصبح جهاز «البلاك بيري» وسيلة تواصل، خصوصاً بين الفتيات اللاتي يهوين «الدردشة»، ما دعاهن الى السير في المراكز وعيونهن على أجهزتهن من دون النظر الى ما أمام أعينهن. يقول زكي عبدالرب، الذي يعمل في أحد المحال التجارية في مركز تجاري: «الاحظ بعض الفتيات منذ وقت دخولهن المعرض وحتى خروجهن لا ينظرن إلا في هاتفهن الخلوي ورؤوسهن إلى الأسفل دائماً وكأنهن نعام»، مستغرباً طريقة دخولهن وخروجهن من المحل من دون مشاهدة منتجات المعرض. فيما كان يعتقد الموظف أسعد إبراهيم، الذي يعمل على محاسبة الزبائن، أنه بعد تبضع بعض النساء أجدهن لا ينظرن إلى بضاعتهن للتأكد منها، محاولة منهن استغلال هذا الوقت القصير لكتابة رسالة، معتقداً أنهن يقمن بحساب الفاتورة قبل طباعتي لها. ويعتبر مصطفى الشرقاوي، الذي يعمل في أحد المعارض التجارية، أن ما يقوم به بعض الفتيات يعتبر استهزاءً بالآخرين، وذلك من خلال دخولهن وخروجهن من المحل من دون النظر في البضاعة المعروضة. ولا ترى الاختصاصية النفسية الدكتورة موضي الزهراني خللاً في طريقة سير بعض الفتيات في المراكز التجارية وهن حانيات رؤوسهن بسبب ال«بلاك بيري»، مشيرةً الى أنه اذا كن حانيات رؤوسهن في الأسواق بسبب محادثتهن ب «البلاك بيري» وتساءلت: «ما العيب في ذلك؟» وأضافت في تصريح ل«الحياة»: «إن الطريقة التي تستخدمها بعض النساء في المراكز التجارية أفضل لهن من رفعهن رؤوسهن بسبب إرسال المعاكسات أو استقبالها الى جانب التذمر من سلوكيات أعمق قد تصدر منهن في الأسواق، يليها استدعاء الهيئة لولي أمرهن وأمر من أثارهن». وأشارت الزهراني الى أن أمر بعض النساء في أوله وآخره بحاجة لوعي بكيفية استخدام الأجهزة الحديثة، سواء كانت اتصالية أو مرئية، التي تسهم في توثيق علاقاتنا بالآخرين من دون أن نهدر وقتنا في التواصل الآلي طوال الوقت، لافتة الى أن كثيراً من الأسر وجدت في توفير هذا الجهاز راحة لهم من ازعاج أبنائهم الصوتي، لانشغالهم بالتواصل الكتابي المستمر مع من يرغبون التواصل معه»، لكن لكل أمر نهايته، وهذا ما سيحدث في يوم ما. وذكرت الاختصاصية النفسية أن الأسباب التي دعت بعض الفتيات الى استخدام هذه الطريقة في الاسواق والاماكن العامة، تعود الى العلاقات الاجتماعية التي أصبحت هشة الى جانب العلاقات العاطفية بمن حولنا غير الثابتة التي تعود لأسباب دنيوية كثيرة، «ما أثر على الحالات النفسية، ما دعا الى نشر مشاعر الكآبة والاحساس بالوحدة الاجتماعية والعاطفية في ظل الانشغال بالماديات، مشيرةً الى أن البحث عن وسائل مساعدة للتقرب من الآخرين، خصوصاً ممن لهم مكانة لدينا لا عيب فيها».