«ما لون عينيه؟ لا أذكر ما لونهما، لأن في عينيه مزيجاً من بريق اللذة، والحرمان، والألم، والطلب، والقلق. في عينيه ألوان الأرض كلها. وتمنيت لو كان بجانبي، لو كان في المقهى، لأتقدم منه والناس يحدّقون مستغربين، فأذوّب الألوان في عينيه: لوناً واحداً بقبلة على أجفانه الحيرى! أغمضت عينيّ. ألذة تلك التي أتمناها؟ وهبّ الخدر اللذيذ، الدافئ، يسري في جسدي، فاسترحت على المقعد الخشبي الأخضر، وغفوت أستعيد ساعات نوم أكلها الأرق». (صفحة 137). «أنا مستعدة للزحف خلفه الى غرفة وحيدة، في أعلى سطح بناية في رأس بيروت، أحطّم المنبّه على عزلتي الجافة، فننام في سرير واحد ونجرع القهوة في فنجان واحد ونقرأ في كتاب واحد». (صفحة 290). «وأسندت ظهري على عمود الكهرباء، عند محطة الترام، وبكيت! بكيت، بكيت ساعات طويلة، قضيتها مسندة الى عمود الكهرباء، من دون أن أحاول تجفيف دمعي بمنديل. وكان المارة يراقبونني باستغراب. وكنت عاجزة عن كبت حاجتي الطبيعية للبكاء». (صفحة 324) من كتاب «أنا أحيا» للأديبة ليلى بعلبكي، الصادر حديثاً عن دار الآداب في بيروت، وطبعته الأولى كانت قد صدرت عام 1958 عن مجلة «شعر»، غير المنوه عنها في الطبعة الثانية! للوهلة الأولى، وحتى اللحظة الأخيرة، حين انتهيت من قراءة «أنا أحيا» في هذا اليوم، شعرت واقتنعت بأن الأدب اللبناني والحركة النسائية اللبنانية، كما والأحزاب العلمانية والوطنية في لبنان، قد خسروا كثيراً، بعد أن توقفت الأديبة ليلى بعلبكي عن الكتابة منذ ستينات القرن الماضي، بعد أن حوربت وظُلمت! وبالطبع ظُلم المجتمع اللبناني والعربي بأسره، وانحدر الأدب في لبنان الى أسفل الدَرْك! وهنا، على المستوى الإنساني والحضاري، أقل ما يقال: حرام! لضيق الوقت ولظروفي الاجتماعية، رغبت في أن أكتب هذه الكلمة، قبل أن أقرأ كتاباتها المنشورة وغير المنشورة! وذلك بعدما تراءى لي وبخاصة مع حلول أواخر السنة العالمية لبيروت كعاصمة للكتاب، وبمناسبة صدور «أنا أحيا»، الذي لم يُعطَ له حق الاعتبار الذي يستحق في وسائل الإعلام، كما حصل مع كُتب أخرى! أقول (عن سابق تصوّر وتصميم): تُكرَّم بيروت بتكريم ليلى بعلبكي.