تصرّف الرئيس باراك أوباما بحكمة عندما اعتبر أنّ باكستانوأفغانستان تشكّلان جزءاً من المشكلة ذاتها. لكن باكستان هي التي تواجه في الوقت الراهن أكثر المآزق حدّةً. أعلن أوباما مؤخراً عن استراتيجيّته الجديدة حيال أفغانستان، وقد تضمّنت نقاطاً مهمّة تتعلّق بباكستان. وسبق لأوباما أن عيّن ريتشارد هولبروك المعاون السابق لوزير الخارجيّة ليتولّى مسؤوليات في واشنطن تخصّ كلاً من باكستانوأفغانستان. في 27 آذار (مارس) الماضي، ربط الرئيس الأميركيّ مباشرةً الهجمات الإرهابيّة التي طالت لندن وبالي وكابول والشرق الأوسط بباكستان. وقال إنّ قادة تنظيم «القاعدة» «عبروا الحدود» ودخلوا إلى باكستان. ولا شكّ أنّ هذه التصاريح لم تلقَ صدى إيجابياً في إسلام أباد التي طالما نفت استقبالها عناصر من «القاعدة» على أراضيها. يشغل عاصف دراني منصب نائب المفوّض السامي لباكستان في لندن وترأس سابقاً البعثة الباكستانية في كابول. وعندما طُلب منه التعليق على مزاعم الرئيس الأميركي، أجاب: «إذا كان أوباما على علم بأنّ قادة تنظيم القاعدة موجودون في باكستان، فلماذا لم يفصح عن أماكن تواجدهم؟ لقد اعتقلنا 1500 عنصر من عناصر طالبان خلال السنتين الماضيتين وقمنا بتسليمهم إلى السلطات في كابول. وليست مشكلتنا إذا أقدموا على إطلاق سراحهم لقاء رشاوى أو صفقات لتبادل الأسرى. ويجب على الناس مساءلتهم عن سبب هذا التصرّف». سُرّ مكتب الرئيس حميد كرزاي في كابول بزوال بعض الضغوط المُسلّطة عليه وسارع بالإدلاء بالتصريح التالي: «نرحّب بخطوة الإقرار بأنّ خطر القاعدة يأتي من باكستان». وفي ما يخصّ الأمن القومي في بريطانيا، قالت المديرة العامة السابقة لجهاز الاستخبارات الداخليّة البريطاني «أم آي 5» إليزا مانينغهام بولر في عام 2007 إنّه جرى الكشف عن 200 شبكة إرهابيّة في بريطانيا وإنّ معظم نشاطات هذه الشبكات يقع تحت السيطرة المباشرة لقادة تنظيم «القاعدة» في باكستان. خفّف الرئيس أوباما من وقع انتقاداته بالإعلان عن تقديم مساعدة سنويّة ترتفع قيمتها إلى بليون و5 ملايين جنيه استرليني لباكستان، وهو مبلغ كبير بالفعل. ولا بدّ من التنويه بأنّ مدّ باكستان بمثل هذا الدعم المالي خطوة منطقيّة توازن ما يجري منذ فترة في أفغانستان. لكن إلى جانب تعزيز المساعدة المُقدّمة لباكستان، يتعيّن على الولايات المتّحدة والمملكة المتّحدة الاضطلاع بدور مهم في إعادة إرساء مبادئ الحكم الرشيد والعادل في اسلام اباد بعد الأزمة السياسيّة التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة، بما في ذلك اغتيال زعيمة حزب الشعب الباكستاني بينظير بوتو. غير أنّ المسألة ليست بمثابة تدوير للزوايا، بل تتمثّل في تقديم الدعم لحكومة باكستان لتشجيعها على القيام بما تقتضيه المصلحة العليا لباكستان وشعبها على المدى الطويل. ومن الضروريّ أن تشمل هذه الخطوات معالجة الفساد في المناصب العليا في البلاد. وفي هذا السياق، شكّلت إعادة رئيس المحكمة العليا السابق افتكار شودري إلى منصبه بعدما عُلّقت مهماته بصورة تعسّفية عام 2007 بقرار من الرئيس الباكستاني آنذاك برويز مشرّف، تطوراً بارزاً. وجرت أيضاً محادثات معقّدة بين الرئيس عاصف زرداري ونواز شريف الذي تولّى سابقاً رئاسة الوزراء في باكستان، في مناسبتين مختلفتين. وشارك في هذه المباحثات رئيس أركان الجيش الباكستاني الواسع النفوذ الجنرال أشفق كياني. كما ساعدت أميركا وبريطانيا على اجراء هذه المباحثات. وتجدر الإشارة إلى أنّ الباكستانيين يحترمون سيادة القانون السائدة منذ عقود، ولا بدّ من الإشادة بذلك. لن تجد المساعي لقيام حكم جيد في باكستان دعماً من قبل الرئيس المتسلط عاصف زرداري زوج بينظير بوتو. ولا شكّ أن ذكرى بوتو ومهاراتها السياسيّة التي لا يشاطرها إياها بالتأكيد، دفعا زرداري إلى المنصب الأعلى في البلاد. واليوم، ينظر الباكستانيون إلى الرئيس على أنّه ضعيف ويفتقر إلى الشعبية. كما تصرّف بطريقة رجعية منذ تولّيه سدّة الرئاسة، واستعان بخدمات بعض أصدقائه، علماً أنّ هؤلاء لا يحظون باحترام الباكستانيين ولم يفوزوا بالانتخابات. تعتمد كلّ من الولايات المتّحدة والمملكة المتّحدة بشكل كبير على باكستان لاستئصال الناشطين الإسلاميين القادرين على إحكام سيطرة تامة على هذه الدولة التي تعدّ 165 مليون نسمة (مقابل 32 مليون نسمة في أفغانستان). وقرّر الرئيس أوباما زيادة الهجمات الجويّة للجيش الأميركيّ، باستخدام طائرات تجسّس من طراز «بريداتور»، مع الإشارة إلى أنّ هذه الهجمات تستهدف عامةً أماكن تواجد قادة «القاعدة» و «طالبان» الرفيعي المستوى. ويُعتقد أنّ المعلومات الاستخباراتيّة تتحسّن اليوم، غير أنّ هذه الضربات الجويّة تُنفّّذ من دون موافقة الحكومة الباكستانيّة وتثير استياءً شديداً. وقد اثارت الأحداث الأخيرة التي جرت في وادي سوات على بعد 160 كيلومترا شمال شرقي إسلام أباد الذعر في نفس ريتشارد هولبروك. وبعد صراع دام سنتين، أرهقت حركة «طالبان» قوى الأمن. ومع أنّ الجيش حقّق بعض النجاحات، إلا أنّه كان يكره محاربة عناصر منتمية إلى بلده، وكان يدرك تماماً أنّ الرأي العام لا يقف عامةً إلى جانبه. وشعر الجنرال كياني بالقلق على معنويات جنوده بعد العمليات الانتحاريّة المكثّفة التي استهدفت مبان حكومية وثكنات ومراكز للشرطة. وفي ظلّ هذا الوضع، قرّر الرئيس زرداري المضي قدماً في مساومة لإنهاء الاقتتال. وبالتالي، أصبحت حركة «طالبان» اليوم قادرة على إدارة شؤون وادي سوات وإنشاء محاكم إسلاميّة. ومن المؤكّد أنّ الرئيس أوباما تحرّك بسرعة وحكمة في الملفّ الباكستاني. لكن لا شكّ أيضاً أنّ باكستان لا تزال بصورة أساسيّة تسير في الاتجاه الخاطئ. * سياسي بريطاني ونائب سابق عن حزب المحافظين