في مقابلة أجريت أخيراً مع المذيعة كوثر البشراوي نظّرت في كثير من القضايا والهموم الإعلامية، خصوصاً التي تعاني منها بعض المذيعات العربيات في القنوات العربية، وهذا حق مكفول لها، ولكنها في الحقيقة تتطرق إلى بعض القضايا التي كانت في معظمها تعكس صوراً نمطية سلبية عن أهل الخليج، وهذا للأسف ما يحمله بعض المثقفين العرب، فمن حق القائمين على أي قناة أن يحددوا الأطر التنظيمية التي تعمل بها تلك الوسيلة الإعلامية. المذيعة ذكرت أنها تركت العمل في إحدى المحطات الخليجية بسبب أن إدارة تلك المحطة منعوا مقدمي البرامج في تلك المحطة من إطلاق لفظ «عدو» إبان انتفاضة الأقصى، وهذه بعض مشكلات ثورجية الإعلام العربي، فالإعلام له أجندته وليس سلاحاً في المعركة التي أدخلونا فيها لسنوات، فلا نحن انتصرنا في المعركة الحقيقية، ولا هم سكتوا عن نضالهم الإعلامي، أعتقد أن الإعلامي - وهذه معضلة صعبة خصوصاً في منطقتنا - يجب أن يكون بوقاً وانعكاساً لمعركة غير حقيقية، فإذا هو ابتعد عن الخطاب الجمعي فإنه يصبح خائناً وعميلاً، ومثار الاستغراب من كوثر البشراوي هو اتهام المحطات الفضائية العربية بأنها تبحث عن الربح والبزنس، وكأن التجارة عمل مذموم، فالسؤال المطروح كيف يستقل الإعلام إذا لم يكن تجارياً؟ فهل يعتمد على الهبات والمعونات الحكومية؟ هذا الإعلام الغربي مثلاً وهو الذي يسيطر على العالم بوكالات أنبائه وصحفه ومحطاته التلفزيونية، كله يقوم على أساس تجاري، وعندما يكون هناك خلل في هذه المعادلة تفلس المؤسسات الإعلامية العريقة، ولا يعني أن تكون المرتكزات تجارية في العمل الإعلامي، بل إن هذا يؤسس للاستقلالية الإعلامية، فمن عاش في الغرب يلحظ أن وسائل الإعلام هي بالفعل إدارة رقابة حقيقية على الحكومات. أما على المستوى الدولي، فالإعلام الغربي التجاري هو من يقف مع قضايا العالم الثالث، ويقف في وجه سياسات دوله ضد الحروب على الشعوب الأخرى، وكلنا يتذكر أن من فضح ممارسات القوات الأجنبية في العراق في سجن أبو غريب هو الإعلام الأميركي. أن الأيديولوجيا، خصوصاً السياسية والدينية، مدمرة للعملية الإعلامية، لأن الأيديولوجي يرى أنه على حق، أما الآخر فهو عدوه، وأما قول كوثر البشراوي إن الإعلام العربي يحارب المقاومة، فنحن نريد فقط أن نعرف: عن أي مقاومة تتحدث؟ هل هي مقاومة حزب يحتل دولة ويزايد بوطنيته ويخون الجميع؟ الإعلام العربي يجب أن يعالج قضايا المجتمعات العربية الكثيرة، إضافة إلى أن التنوع في الاختيار الإعلامي هو أساس النجاح، فمثلاً قنوات الترفيه لها نسبة مشاهدة مرتفعة في مجتمعاتنا كما القنوات الرياضية والمتخصصة، أما من يطرح قنوات سياسية تقود النضال فإنه سيفلس إعلامياً، لأن من يدّعون النضال هم يزايدون برفع شعارات جذابة، ولكنهم في الحقيقة يؤسسون لإعلام شمولي يغرد خارج السرب. وفي نمطية سلبية تجاه أهل الخليج تكرر البشراوي صورة قبيحة عن أهل هذه المنطقة، بأنهم أول من ابتدع ملكة جمال المذيعات في القنوات الفضائية، والكل يعرف أن إنتاج البرامج الترفيهية وصناعة الإعلام هي جديدة في منطقة الخليج، قد تكون البشراوي أكثر صدقاً مع ذاتها لو أنها عبّرت عن آرائها هذه وهي تنتقل من محطة خليجية إلى أخرى، أما الآن فهذا لا يحسب لها بشيء، ومثار الاستغراب أن أهل الخليج الذين تذمهم كوثر، هم من قاموا باستئجار بعض الإعلاميين العرب لشتم بعضهم بعضاً بالوكالة، وهذا فيه إدانة لطرح البشراوي، إن كان حدث لها بالفعل. [email protected]