مشكلة العودة إلى الجريمة عند النساء، او كما يسميها علماء الاجتماع «العود» هي إحدى المشكلات الاجتماعية التي لا تزال الدراسات العلمية فيها قليلة في العالم العربي، وفي السعودية خصوصاً، كون غالبية الدراسات تتناول العود عند الأحداث، والرجال. الكلام اعلاه هو من استهلالات الدكتورة اسماء عبدالله التويجري في بحثها لرسالة الدكتوراه المعنون ب «الخصائص الاجتماعية والاقتصادية للعائدات للجريمة» الصادرة اواخر العام الماضي مما يعني انها «طازجة» وفي موضوع حيوي ودقيق، فضلاً عن ان الابحاث الاجتماعية كما قلت غير مرة هي منجم لمن اراد قراءة المجتمع وتصميم برامج اصلاحه في أي مجال. واللافت في هذه الدراسة كثير فهي اختارت الموضوع للسبب اعلاه ضمن أسباب أخرى منها «تميز المجتمع السعودي بأن ثقافته مستقاة من الشريعة الإسلامية، مما يعني ان هذه الثقافة اصبحت جزءاً رئيسياً في ثقافة المجتمع، الا ان هناك ثقافة جزئية خاصة لبعض افراد المجتمع تختلف مع الثقافة العامة في بعض السمات». لم يكن مفاجئاً لي ان «ضعف الوازع الديني» جاء في مرتبة متأخرة من بين الاسباب التي ذكرتها السجينات لعودتهن الى ارتكاب الجريمة، بل هي مرتبة متأخرة جداً اذ جاء في المرتبة ال 11 من بين 12 سبباً سأستعرضها باختصار لاحقاً، الأمر الذي يؤكد اهمية بعد الخطاب الخاص بإصلاح السلوك عن التشبث بنظرية تأخر المجتمعات فقط لضعف الوازع الديني، وهو أمر لم تتطرق اليه الباحثة ربما لكون الرسالة اعدت لجامعة حكومية سعودية، او لأنها ركزت على العوامل الأهم وعلى نتائج بحثها المضني الذي استغرق قرابة الثلاث سنوات وشمل سجن النساء في كل من الرياضوجدة بحكم الكثافة السكانية. جاءت المشكلات الاسرية اولاً، تلتها اسباب دخول السجن نفسها للمرة الأولى، ثم نظرة المجتمع لها على انها «خريجة سجون»، الشعور بالظلم والقهر، السجن ومخالطة السجينات، والغيرة، والعنوسة وضعف الارادة. وهناك ثلاثة اسباب في المنتصف تجاوزتها لاني اعتقد انها هي مربط الفرص، وهي ان جاءت في مراتب متوسطة لكنها جاءت متسلسلة على التوالي وبنسب لافتة وهذه الأسباب هي «استمرار المشكلات الاقتصادية»، «وجود المغريات المادية»، و«الرغبة في مجاراة الصديقات»، وهذه الاسباب في نظري ربما تكون الاعمق تاثيراً والأكثر ارتباطاً بالسياسة والاقتصاد والمجتمع والتربية والتعليم بل وحتى النقل والمواصلات، لاننا خبأنا كثيراً من سلبياتنا السلوكية والاجرامية وراء «حواجز» مختلقة بينما الحقيقة المعاشة والمشاهدة والمرئية بنصف عين مغايرة تماماً. وللحديث صلة. [email protected]