بعد أكثر من خمس سنوات من العمل المتواصل خرج برلمان شباب فلسطين إلى النور وشهد قصر رام الله الثقافي احتفالية انطلاق البرلمان في الخامس عشر من الشهر الجاري. وحضر الاحتفال الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي أشاد بالمبادرة الشبابية التي أطلقتها «جمعية المستقبل الفلسطيني للتنمية والديموقراطية»، ومقرها مدينة نابلس، مشدداً على ضرورة أن يلعب الشباب دوراً أكبر في العملية السياسية، وصنع القرار، والمشاركة في مؤسسات السلطة بفعالية. والبرلمان، الذي عقد مؤتمره الأول في عام 2004، والثاني في عام 2005، كمؤتمرين تحضيريين لتأسيسه، وجد له أخيراً حيزاً على أرض الواقع، عبر عملية انتخابات كان الشباب محركها الوحيد. وأفرزت الانتخابات تشكيلة تمثل كل المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية، والقدس، وداخل الخط الأخضر، في حين لا تزال مقاعد قطاع غزة شاغرة بسبب منع حركة «حماس» منسقي المبادرة الشبابية من العمل بحرية نحو تمثيل شباب غزة في البرلمان، لدرجة أنه تم اعتقال بعض المنسقين، وفرض الإقامة الجبرية على آخرين. ويضم البرلمان الشبابي، المدعوم من «المساعدات الشعبية النرويجية»، في عضويته 132 عضواً تتراوح أعمارهم ما بين 18 و35 سنة، موزعين جغرافياً وفق التوزيع المناطقي الرسمي لانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، من دون إغفال تخصيص مقعد للطائفة السامرية في نابلس، ولأتباع الديانة المسيحية، في حين حظيت الشابات ب «كوتا» تصل إلى ثلث أعضاء البرلمان. والهدف العام للبرلمان، وفق عصام أمين الدبعي، المدير التنفيذي للجمعية، رئيس اللجنة العليا لانتخابات برلمان شباب فلسطين، هو العمل على توحيد صفوف الشباب وتحديد حاجاتهم وتوجيه طاقاتهم وتعزيز قدراتهم للمشاركة في الحياة البرلمانية بغض النظر عن الانتماء السياسي والحزبي للشباب، مع التأكيد على الالتزام ببرنامج منظمة التحرير الفلسطينية ونهجها، الى جانب إعطاء فرصة أكبر لمنظمات المجتمع المدني للمشاركة في صوغ الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية للشعب الفلسطيني. ويهدف مشروع البرلمان أيضاً الى تشكيل «لوبي» ضاغط لمتابعة قضايا الشباب في كل المجالات، وعلى كل المستويات، ورفع مستوى المشاركة الشبابية، وتعزيز ثقة الشباب بأنفسهم، وتأهيلهم لممارسة دورهم في القيادة واتخاذ القرار، إضافة الى تعبئة الشباب فكرياً وثقافياً وتنظيمهم بهدف تعميق مشاركتهم في إحداث تغييرات جوهرية في المجتمع الفلسطيني، مطالباً القيادة الفلسطينية بالعمل على إعادة النظر في القوانين الانتخابية بخصوص تخفيض سن الترشح لعضوية المجلس التشريعي، لإتاحة المجال أمام الشباب الفلسطيني ليتبوأ مناصب قيادة مهمة في مؤسسات صنع القرار. ويرى أعضاء البرلمان الشبابي فيه تجربة مهمة ومثيرة ومختلفة من نوعها... ويقول الشاب محمد الرومي من محافظة بيت لحم: «ما يميز التجربة أنها الأولى من نوعها في فلسطين التي يشكل الشباب الغالبية العظمى من سكانها... لن يقتصر عملنا في برلمان شباب فلسطين على معالجة القضايا السياسية، بل سيتم تسليط الضوء على العديد من القضايا الاقتصادية، والاجتماعية بخاصة تلك التي تمس الشباب بشكل أو بآخر». ويضيف الرومي: «لا نقول أننا أصحاب الحل السحري لكل مشاكل فلسطين «العويصة»، لكننا لا نحمل التشنج ذاته الذي تعيشه القيادات السياسية في الفصائل الفلسطينية... أعتقد أن الشباب قادرون أكثر من غيرهم على الحوار بأسلوب منفتح بعض الشيء، ويختلف عن الطريقة التي يتعامل فيها الساسة الكبار مع مختلف القضايا». من جهتها شددت عضو البرلمان الشبابي أوليفيا عودة، من بلدة بيرزيت قرب رام الله، على أهمية دور الفتيات في المجلس، بخاصة في طرح القضايا التي تهم الشابات الفلسطينيات، لا سيما على الصعيد المجتمعي، واصفة تجربة البرلمان بالمثيرة. أما عزام سلامة من جنين، فأكد أن ما يميز البرلمان أنه لم يأت في يوم وليلة، بل جاء بعد عملية تراكمية تعود إلى العام 2004 وما قبله، مشيراً إلى أنهم سيحملون في البرلمان العديد من القضايا الشبابية على عاتقهم، وعلى رأسها قضية البطالة، إذ يعاني الشباب الفلسطيني من البطالة بنسب كبيرة. ويضيف سلامة: «علينا الكثير من المسؤوليات، بخاصة أن برلمان شباب فلسطين ليس مجرد مشروع عابر... وما يدلل على جدية البرلمان هو الاهتمام الكبير الذي أبدته القيادة الفلسطينية ممثلة بالرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء سلام فياض، اللذين شاركا في احتفالية انطلاق البرلمان، وأكدا دعمهما الكبير له». وقال عبدالله داود، عضو البرلمان عن محافظة قلقيلية: «يحلم الشباب الفلسطيني بالعيش بحرية كما شباب العالم... هذا البرلمان أحد أهم إنجازات الشباب الفلسطيني، وجاء وفق تراكمات وجهد حثيث، وهو خطوة في طريق المساهمة في بناء الدولة الفلسطينية المستقلة، والمساهمة أيضاً في الديموقراطية والعدالة والتنمية والبناء». وتركز رسالة البرلمان، كما خطها عدد من الشبان والشابات من نوابه، على الثمن الذي دفعه الشباب الفلسطيني في مقاومته المستمرة للاحتلال الإسرائيلي، من شهداء وجرحى وأسرى ومعوقين، وعن كونهم الشريحة الأوسع في الشعب الفلسطيني، إذ أن 67 في المئة من مجمل أبناء الشعب الفلسطيني هم دون سن الثلاثين، وبالتالي يجب أن يضطلع الشباب بدور سياسي ومجتمعي يتناسب مع حجم ما قدموه من تضحيات ومع نسبتهم في المجتمع، ومع الطاقات التي يمتلكونها والتي لا تزال مغيبة ومهمشة، وهو الأمر الذي يأملون بتغييره من خلال هذا البرلمان.