يخشى سكان تجمع سوسيا الذين يعيشون في مجموعة من الخيام المنتشرة على تلال صحراوية جنوب مدينة الخليل في الضفة الغربية منذ ما يقارب ثلاثين عاماً أن تُقدم إسرائيل على ترحيلهم في أي لحظة. وقال جهاد نواجعة رئيس المجلس المحلي لتجمع سوسيا ل «رويترز»: «من الممكن أن يأتوا إلى هنا في لحظة غفلة ويقوموا بهدم مساكننا، لكننا لن نترك هذا المكان ولن نسمح لهم بالاستيلاء على أرضنا وسنعيد بناء المساكن مرة أخرى». وتأتي مخاوف التجمع الذي يضم 45 عائلة أقامت به بعد أن أجبرتها السلطات الإسرائيلية على الرحيل عن مكان مجاور سكنه أباؤهم وأجدادهم وحولته إلى موقع أثري تحت سيطرتها في عام 1985، في ظل قرار جديد لمحكمة إسرائيلية يتيح للحكومة إخلاء السكان من الموقع الجديد. وقالت منظمة بتسيلم الإسرائيلية لحقوق الإنسان على موقعها على الإنترنت إن محكمة العدل الإسرائيلية رفضت التماساً لوقف هدم مباني سوسيا. وأضافت المنظمة أن هذا القرار يعني أنه «لا مانع قضائياً حالياً أمام تنفيذ عشرات أوامر الهدم التي صدرت ضد مباني القرية (سوسيا) ولذلك فإن السكان معرضون لخطط هدم بيوتهم... في أي لحظة». ويقول محمد نواجعة (70 سنة) وله 40 من الأبناء والأحفاد يسكنون معه في سوسيا إضافة إلى عدد من العائلات الأخرى «لدينا أوراق طابو (أوراق ملكية) في هذه الأرض. إنها لنا. يريدون أن يرحلونا منها ليعطوها للمستوطنين». وأضاف وهو يشير إلى مستوطنة مجاورة لا تبعد سوى مئات الأمتار عنهم تحمل نفس اسم قريتهم سوسيا: «إنهم يزحفون نحونا... يتمددون مرة من خلال أبراج المراقبة ومرة من خلال منعنا من الرعي في أرضنا المجاورة للمستوطنة التي أقيمت على أرضنا». ويرى انه في اللحظة التي سيتركون المكان الواقع بين المستوطنة وبين الموقع الأثري الذي تسيطر عليه إسرائيل فإنهم لن يعودوا إليه مرة أخرى. وقال نواجعة بعد عدد من عمليات الهدم المتكررة لبعض المساكن خلال السنوات الماضية: «قررنا التوجه إلى المحاكم الإسرائيلية بدعم من حركات سلام إسرائيلية ومنها منظمة حاخامين من أجل حقوق الإنسان». وأضاف: «قيل لنا إن الحل القانوني لوجودنا هو إجراء مخطط هيكلي للتجمع، وقد ساعدتنا السلطة الفلسطينية في إنجاز المخطط وقدمناه إلى الجانب الإسرائيلي الذي يرفض لغاية الآن الموافقة عليه». وبموجب الاتفاقات الموقتة بين الفلسطينيين والإسرائيليين تم تقسيم الأراضي في الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق: المنطقة (أ) الواقعة تحت السيطرة الفلسطينية الكاملة، والمنطقة (ب) الخاضعة إدارياً للسلطة الفلسطينية وأمنياً لإسرائيل، والمنطقة (ج) التي تشكل ما يقارب من ستين في المئة من مساحة الضفة الغربية وخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة. ويحتاج الفلسطينيون إلى موافقة الجانب الإسرائيلي لتنفيذ أي مشروع في المنطقة (ج) مهما كان صغيراً سواء تعلق بشق طريق أو حفر بئر لجمع مياه الأمطار أو أي عملية بناء. كما أن عدم وجود مخطط هيكلي للتجمع يعني عدم إمكانية تزويده بشبكات الكهرباء أو المياه حتى لو كانت تبعد عنه أمتاراً كما في سوسيا. وقال سكان سوسيا إنهم حصلوا على دعم ألماني مكنهم من تزويد تجمعهم بالكهرباء من خلال ألواح الطاقة الشمسية إضافة إلى دعم من جهات أخرى بتزويدهم بخزانات مياه إلى جانب وجود عدد من آبار الجمع التي تمكنهم من سقي مواشيهم التي يعتمدون عليها في حياتهم. ونقلت منظمة بتسيلم أسباب رفض منح ترخيص للمخطط الهيكلي للتجمع بحسب القرار الإسرائيلي، ومن هذه الأسباب أن التجمع يمنع «السكان الفقراء من إمكانية التقدم وإمكانية الاختيار بين مصادر الرزق الحديثة أو مصادر أخرى، ويمنع المرأة الفلسطينية من الخروج من دائرة الفقر». وقالت المنظمة إن «الإدارة المدنية (الإسرائيلية) أوصت سكان خربة سوسيا بالمبادرة لتخطيط بديل في مكان أقرب إلى مدينة يطا بما أن القرية تقع على بعد كيلومترات من مدينة يطا الواقعة في منطقة (أ)». وترى المنظمة أن ما تم التوصية به على «أرض الواقع هو إبعاد سكان خربة سوسيا عن منطقة (ج)». وأوضح رئيس المجلس المحلي لتجمع سوسيا انه «إذا كان هدف نقلنا هو تحسين حياتنا فلماذا لا يتم وصلنا بشبكة الكهرباء والماء التي تمر من جنبنا؟». وأضاف: «لكننا سنبقى شوكة في حلوقهم ولن نترك هذا المكان الذي لا نستطيع أن نعيش في أي مكان بديل منه». وأضاف: «نحن نعلم أن هناك مخططات هيكلية لمستوطنة سوسيا التي أقيمت على أرضنا تظهر فيها هذه الأرض التي نجلس عليها. ستكون (أرضنا) متنزهات لهذه المستوطنة». وبدا الفرق واضحاً بين سوسيا المستوطنة بما فيها من بيوت اسمنتية وأشجار وشوارع وأبراج مراقبة وبين سوسيا الفلسطينية التي أقيمت خيامها من القماش والبلاستيك من دون أي خدمات. ويبدو الأطفال أكثر إصراراً من الكبار على عدم ترك المكان والرحيل عنه على رغم صعوبة الحياة فيه. وقال محمد وهو طفل لم يتجاوز 12 سنة بنبرة حازمة: «لا نريد أن نذهب إلى أي مكان آخر... نريد أن نعيش هنا، وحتى لو هدموا بيوتنا فسنبنيها من جديد».