يبدأ العقد الجديد مثلما بدأ سلفه: تنظيم «القاعدة» ينشر الرعب حول العالم، بتحويله الطائرات التي صُنّعت ليتسخدمها الناس لتسهيل انتقالهم من مكان الى آخر، الى قنابل متفجرة جاهزة لقتل اكبر عدد متيسر من هؤلاء الركاب. ويبدأ العقد الجديد باسم جديد يضاف الى لائحة محمد عطا ورفاقه الذين تصدروا المجموعة الاولى التي نشرت الرعب من الطيران. شبان آتون من خلفيات عائلية واجتماعية مستقرة وناجحة وغير معروفة بتعصبها الديني او تزمتها السياسي، يتحولون الى ادوات في يد الفكر الارهابي الذي يستخدمهم لاغراضه، باعتبارهم اقل من يمكن ان يثيروا شبهة الانتماء الى هذا الفكر. ومثلما صُدم والد محمد عطا واسرة زياد الجراح وأسر الآخرين من «ابطال» 11 سبتمبر بما اقدم ابناؤهم عليه، هكذا سمعنا ان اساتذة الشاب النيجيري عمر عبد المطلب، «بطل» التفجير الذي كان مخططاً له ان يحصل فوق مطار ديترويت ويودي بحياة اكثر من 300 شخص في 25 كانون الاول (ديسمبر) الماضي، صدموا كذلك بسلوك هذا الشاب الذي كان تلميذاً مواظباً ومجتهداً في احد ارقى المعاهد الجامعية في لندن، قبل ان تحوله زيارة الى اليمن ومتابعة دراسة اللغة العربية في احد معاهد صنعاء الى ما اصبح عليه. هذه الزيارة دفعت الرئيس باراك اوباما الى اضافة اليمن الى لائحة الدول التي تعتبرها الولاياتالمتحدة مصدراً لتهديد الامن العالمي، والتي قال انها تضم كلاً من افغانستان وباكستان والصومال، وهدد بملاحقة الذين يخططون لتهديد امن اميركا والعالم من اراضي هذه الدول. واعتبر الكونغرس الاميركي أن اليمن بات دولة تقف على الخط الاول في الحرب على الارهاب. وكما استفاد تنظيم «القاعدة» من قيام نظام «طالبان» في افغانستان، ومن فشل هذا البلد في حماية نفسه وفي فرض سيادته على ارضه، ومن انهيار الصومال كبلد يملك اقل المواصفات الضرورية لقيام الدولة، وكما سهّل اختراق المؤسسات الامنية الباكستانية نشاط «القاعدة» والتنظيمات المتطرفة الاخرى، تضع الاجهزة الامنية والاستخبارية الغربية عينها الآن على اليمن باعتباره المركز الذي يستخدمه «تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية» لتصدير نشاطات التخريب بين جيرانه وحول العالم. لهذا جرت المقارنات بين الطريقة التي استخدمها عمر عبد المطلب في محاولة تفجير طائرة «نورث وست ايرلاينز» فوق ديترويت والطريقة التي استخدمها الارهابي عبدالله عسيري في محاولة اغتيال الامير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية السعودي للشؤون الامنية. ومثلما تحولت افغانستان الى عنوان للحرب على الارهاب خلال ولايتي جورج بوش، وانتقل ارثها الى باراك اوباما، تشير كل التوقعات الى احتمال تحول اليمن الى عنوان مماثل للحرب على الارهاب في عهد الادارة الحالية. فاللغة الامنية التي استخدمها الرئيس الاميركي في رده على محاولة تفجير الطائرة الاميركية هي اللغة ذاتها التي سمعناها تكراراً من سلفه بعد 11 سبتمبر: لا تساهل مع الارهابيين وضرورة ملاحقتهم اينما وجدوا – الاولوية لحماية الامن الاميركي – الحرب مع تنظيم «القاعدة» مفتوحة حتى القضاء عليه. يضاف الى ذلك ما اعترف به عمر عبد المطلب خلال التحقيقات معه من ان هناك كثيرين غيره يتدربون في اليمن لمتابعة ما فشل في القيام به. ويزيد من قلق اوباما ان اقفال ملف معتقل غوانتانامو، الذي يثير انتقادات قادة الحزب الجمهوري، هو «ملف يمني» بامتياز، اذ ان نصف الذين ما زالوا معتقلين فيه هم يمنيون، ولا يزال السؤال قائماً حول امكان اعادتهم الى اليمن، خصوصاً ان عدداً من الذين اطلقوا سابقاً عادوا من جديد الى النشاط الارهابي. ليس اليمن بالتأكيد افغانستان او صومالاً آخر. ليس بعد على كل حال. هناك جبهات نزاع مفتوحة فيه، سواء في صعدة او في الجنوب، وهناك دعوات الى زيادة الدعم الغربي للقوات اليمنية لمساعدتها في حربها مع التنظيمات الارهابية، كما طالب وزير الخارجية ابو بكر القربي على اثر الاعلان عن «تخرج» الشاب النيجيري من صنعاء. غير ان اليمن ما زال دولة تملك مقومات الاستقرار، لكن هناك حاجة ملحة لمساعدته على تجاوز مشاكله الداخلية، خصوصاً ان انهياره اذا حصل سوف يؤدي الى ارتدادات بالغة الخطورة على المنطقة، بسبب موقعه الجغرافي والهوية المذهبية للصراعات التي تدور فوق ارضه.