يعتقد الروائي علي أبو الريش (الإمارات) أن التحدي الكبير يبقى في الخلل الديموغرافي، الذي ما يؤثر سلباً في الحركة الثقافية في دول الخليج. فهذا الخلل أوجد فجوة واسعة بين الثقافة المحلية والثقافات الأخرى، وتحديداً الآسيوية، «التي أصبح لها سجادة حمراء في هذه المنطقة. وبالتالي أخذت السبق في مجال السيطرة على ثقافة المنطقة لغة وسلوكاً ونشاطاً أدبياً أيضاً». ويؤكد أن منطقة الخليج في حاجة إلى استراتيجية ثقافية واجتماعية واقتصادية سياسية شاملة، لكنه يرى من الصعب على الدول الخليجية، على الأقل في هذه المرحلة، «أن تتخلى عن ارتباطاتها الاقتصادية والسياسية بحكم وجود حركة اقتصادية نشطة جداً، وفي حاجة إلى قوة عاملة وفنية تستطيع أن تدير هذه العجلة الاقتصادية الضخمة في هذه المنطقة». ويلتفت أبو الريش إلى مسألة تغير الاهتمام بالأدب من مرحلة إلى أخرى، قبل مرحلة النفط، يرى أن الاتجاه إلى الإبداع كان هاجساً أصيلاً، وبعد الطفرة النفطية «أصبح ترفياً وجزءاً من المرحلة الاستهلاكية، التي تميز هذه البلدان. حتى الأدباء والمبدعون انغمسوا في مسائل ترفيهية أثرت كثيراً في عطائهم وجديتهم، كما أثرت سلباً في دخولهم العملية الإبداعية بشكل جدي وصادق». التأثير السلبي للاستهلاك لم يطاول فقط مثقفي الخليج، إنما أثَّر أيضاً في أدب المنطقة العربية وفكرها، «قبل عقود النفط كان الوضع يختلف في البلدان العربية، لكن الآن لا. أين العمالقة في مجال الفكر والإبداع الأدبي. أين محمود أمين العالم أو نجيب محفوظ، أو يوسف أدريس. لا شك أن هذه البلدان تقدم ولكن ليس مثل قبل، وذلك بسبب تأثيرات المرحلة النفطية وامتداداتها». ويقول الناقد علي الشدوي (السعودية) إن الثقافة الخليجية تعاني من التهميش والإهمال، «فهي في بعض الدول تكاد لا تدرس في التعليم العام أو الجامعي، وهي في دول أخرى تدرس في التعليم الجامعي من غير أن تدخل في التعليم الثانوي، وحتى في الدول الخليجية التي تجد فيها الثقافة الخليجية طريقها إلى التعليم العام والجامعي عادة ما تكون في الهامش». ويرى أن نسبة المحتوى التعليمي الذي يصور الأوطان الخليجية والحياة الاجتماعية والنماذج الشعرية والنثرية الخليجية نادرة. ويوضح أنه إذا غذينا هذه الصورة السوداء «بما نعرفه من طغيان الثقافة الشامية، والثقافة المصرية، والثقافة الشمال - افريقية على محتوى التعليم في دول الخليج العربي، أدركنا ما تعاني منه الثقافة الخليجية حقاً من نبذ وإهمال وتهميش مزدوج». ويتوقف عند نبذ آخر تعيشه الثقافة في الخليج فهي غير معترف بها، «دليل ذلك أن الكتَّاب العرب في الغالب يتعاملون مع الثقافة الخليجية على أنها ثقافة بترول، وأن نماذجها الشعرية والنثرية نماذج من الدرجة الثانية». ويتساءل كيف يمكن إنقاذ الثقافة الخليجية، لكن من دول الخليج ذاتها؟ «الظاهر أن ذلك لن يحدث إلا بتجاوز «النبذ المزدوج» الذي أشرت إليه. وهذا يعني أن تقف وزارات التربية والتعليم العالي الخليجية إلى جانب ثقافة بلدانها، وأن تتخلى عن إصرارها في التمسك بالمحتوى التعليمي القديم والتقليدي الذي بُني على نماذج عربية عليا... وهذا يعني أن تنفتح على كل ما هو خليجي الأمر الذي يحقق هدفين: متابعة فعلية للثقافة الخليجية في تطورها الراهن، وفتح المناهج والكتب لدخلوها»،لإنقاذ الثقافة الخليجية. ويلقي الشدوي بالمسؤولية، وهذه مفارقة في رأيه، «لا على وزارات الثقافة؛ إنما على وزارات التربية والتعليم العالي، ربما يكون هذا هو ما يضمن مستقبلاً ممكناً للثقافة الخليجية».