تفاقمت في الآونة الأخيرة أزمة شركات ومكاتب الاستقدام، بعد ظهور المشكلات على السطح وما واكبها من تطورات متلاحقة، نظير خلافات بين المستثمرين أنفسهم في القطاع، والغضب الشعبي العارم من اللجنة الوطنية للاستقدام، ما أدى إلى استقالة رئيس اللجنة ومسؤوليها. وأدت الهجمة المتواصلة في وسائل التواصل الاجتماعي، نتيجة لتأخير وصول العمالة والوعود الوهمية من مكاتب الاستقدام وارتفاع أسعار الاستقدام، إلى انفجار الغضب وتحميل رئيس اللجنة الوطنية للاستقدام سعد البداح المسؤولية، ما دفعه إلى تقديم الاستقالة وإصدار بيان مطول تضمن تهديداً بملاحقة كل من هاجم اللجنة عبر وسائل التواصل. وتعود تفاصيل القصة إلى قيام أصحاب مكاتب استقدام وعدد من المستثمرين في قطاع الاستقدام، بتشكيل تكتل خارج منظومة اللجنة الوطنية للاستقدام، بهدف إنقاذ استثماراتهم ومكاتبهم من الانهيار بعد أن تعرض قطاع الاستقدام في المملكة لعراقيل عدة - بحسب وصفهم - أطالت مدة استقدام العمالة المنزلية مدة تزيد على العام، وعقدوا لقاءات عدة مع عدد من الجهات الحكومية، ومنها وزارات الخارجية والعمل والتجارة، للكشف عما يواجهون من عراقيل وتقديم ما توصلوا إليه من حلول للمسؤولين لبحثها. ويرى المستثمرون أن تكتلهم أتى لمواجهة التحديات التي يواجهها قطاع الاستقدام، في ظل مرور فترة طويلة على المتغيرات التي شهدتها السوق بدخول شركات الاستقدام، معتبرين أن كل ما صدر عن اللجنة الوطنية للاستقدام أتى في مصلحة شركات الاستقدام لا المكاتب، إذ إن ملكية تلك الشركات ترجع إلى تكتلات من أصحاب مكاتب استقدام منافسة، وانصبت الفائدة في مصلحة الشركات وأعضائها، أما المكاتب التي لم تنضم إلى تلك الشركات فتعرضت لخسائر فادحة. تحديات القطاع وقال المستثمرون، إنهم تعرضوا لتحديات كبيرة وأزمة خانقة مع المواطنين أصحاب طلبات استقدام العمالة المنزلية، ما حدا بهم للاجتماع بعدد من المسؤولين، بعد أن غاب من يمثلهم أمام الجهات الحكومية، وغاب أيضاً تمثيلهم أمام السفارات، مضيفين: «أصبحنا مضطرين للتدخل وتمثيل أنفسنا، وفوجئنا بتقبل هذه الجهات لنا وترحيبهم، وعرضنا على وزارة العمل المشكلات مع حلول مقترحة». وطالب مستثمرون في القطاع بإلغاء العمل السابق للجنة، الذي يعتمد على تكتلات استفادت من السيطرة على اللجنة - بحسب ما ذكروا ل«الحياة» - وإعادة تشكيل اللجنة من جديد بوجود أعضاء من جهات عدة ذات علاقة، ممثلة بوزارات: الداخلية، والعمل، والخارجية، والتجارة، إضافة إلى ممثل عن جمعية حماية المستهلك، ومستثمرين منتخبين من القطاع. ضعف المفاوضات خلق تكتلات خارجية وأكد المستثمرون أن استقدام العمالة المنزلية، الذي تجاوزت كلفته وحدها بليون ريال سنوياً، عانى كثيراً بسبب عدم وضوح الرؤية وضعف التعاطي مع الجهات المصدرة للعمالة، وعدم القدرة على فتح دول جديدة للاستقدام منها، إضافة إلى تعثر الاستقدام من دول كانت المصدر الرئيس للاستقدام، مثل إندونيسيا التي كانت تسيطر على 70 في المئة من العمالة المصدرة للسعودية، إذ أدى ضعف التفاوض والانقسامات إلى تشكيل تكتلات خارجية من دول المصدر، وإجبار مكتب الاستقدام السعودي على التعامل مع مكتبين وسيطين فقط من الدولة المصدرة، فيما يحق لذلك الوسيط الاتفاق مع أي عدد يشاء من المكاتب السعودية، ما عرض المستثمرين في القطاع لخسائر فادحة ونضوب مصادر استقدام العمالة بسبب تجفيف السوق من تلك المصادر لرفع الأسعار، وبالتالي تأخر مدة الاستقدام فترة طويلة تجاوزت في بعض الأحيان ال12 شهراً. شكوى المستثمرين وكان عدد من المستثمرين رفعوا إلى رئيس مجلس الغرف السعودية قبل أشهر عدة عريضة وصفوا فيها - بحسب خطابهم - الفترة السابقة للجنة الاستقدام بالأسوأ في تاريخ اللجنة، إذ ارتفعت تكاليف الاستقدام أكثر من 300 في المئة، والأجور أكثر من 250 في المئة، مع فرض رسوم متنوعة، وتدخّل السفارات الأجنبية في أمور المواطنين الخاصة، ما يتعارض مع حقوق المواطن وسيادة الدولة، باستدعاء المواطنين إلى تلك السفارات ووضعهم في القوائم السوداء، مع تجاهلها التام - بوصفها سفارات - لأنظمة وقوانين المملكة، وهذا يعود إلى أسباب عدة، أهمها عمل وسير اللجنة، بحسب ما ذكروا. وذكروا في نص الخطاب: «برر رئيس اللجنة فشلها مع إندونيسيا بسبب حادثة قتل الخادمة الإندونيسية، ولم يذكر في تصريحه أن هذه الخادمة قتلت طفلاً بريئاً وتم القصاص منها وفقاً لقوانين الشريعة الإسلامية وبوصفها حاثة قتل، بدلاً من قصاص فيه إسقاط بحق الشريعة الاسلامية وقوانين الوطن وحق المواطن، ما أضعف موقفنا لدى تلك الدول، وبالتالي وضعوا مزيداً من الشروط والتكاليف على المواطنين». ومن مآخذ بعض أصحاب مكاتب الاستقدام والمستثمرين على اللجنة السابقة أن أكثر من ثلث أعضائها من شركة استقدام واحدة، وأعلنت عبر صحف تحذيراً باسم المجلس أن على من يرغب بالاستقدام زيارة موقع اللجنة للتعرف على مكاتب الاستقدام المرخصة، في وقت كانت غالبية مكاتب الاستقدام المرخصة غير مشتركة في ذلك الموقع الذي فرضته اللجنة، في مقابل رسوم مالية مبالغ فيها، وبلا أمر سامٍ يخولهم الاستحصال على تلك الرسوم، ما أضر بمصالح غالبية أصحاب المكاتب، وزاد في كلفة الاستقدام، كما تضمن الإعلان وضع رقم فاكس للجنة، وهو خاص بمكتب الاستقدام لأحد مسؤولي اللجنة، والمطالبة بتقديم المواطنين شكاواهم عبر ذلك الرقم، معتبرين ذلك تضليلاً للمواطنين، إضافة إلى تمرير بعض القضايا من دون اطلاع كل أعضاء اللجنة الوطنية عليها. وطالب المستثمرون وقتها بانتخاب لجنة جديدة تكون قادرة على تحقيق نتائج إيجابية لمصلحة كل الأطراف، وتتعامل بمبدأ الشفافية والإفصاح في ما يخص أعمالها وخططها، مبدين تذمرهم من تقديم شكاوى ضدهم في عدد من الجهات ضد عدد من العاملين في النشاط، مشيرين إلى رفض رئيس اللجنة تأسيس جمعية لمكاتب الاستقدام التي يطالبون بتأسيسها، وهي آلية حظيت بتأييد وزير العمل السابق بعد موافقة وزارة الشؤون الاجتماعية عليها. جمعية تعاونية للاستقدام ترتكز فكرة الجمعية التي طالب بها أصحاب مكاتب الاستقدام، بأن تكون تحت مظلة وزارة الشؤون الاجتماعية، ويدفع طالب استقدام العمالة المنزلية رسوماً رمزية بدلاً من دفع رسوم التأشيرة لتخفيف الأعباء، وتتولى هذه الجمعية مهمات التدريب والإيواء للعمالة ذات الخلاف مع مكفوليها، وتقوم بالتنسيق مع ممثلي السفارات وحفظ حقوق كل الأطراف من أصحاب عمل وعمالة ومكاتب استقدام. وفي سؤال ل«الحياة» عن أن أصحاب مكاتب الاستقدام لهم دور في الفوضى التي يعيشها القطاع ودورهم في رفع الأسعار، أكدوا أن الاتهامات التي كانت تطاول مكاتب الاستقدام في السابق طبيعية، لأن التقصير أمر وارد، ولكن ما حدث في الفترة الماضية أمر بعيد عن مسؤولية مكاتب الاستقدام. وقال المستثمر وصاحب مكتب استقدام محمد آل طالب: «نستقدم من الفيليبين وسيريلانكا، ولكن يرتفع السعر وتطول المدة بسبب قلة العرض أمام الطلب، والمفترض أن نعمل على سرعة إعادة فتح باب الاستقدام من إندونيسيا، وترميم البيت الداخلي للنشاط، وضخ دماء شابة لكي تتولى هذه الملفات لجنة جديدة للاستقدام، ومن ثم تفعيل دور اللجنة وصلاحياتها». وأبان آل طالب أنهم طالبوا حينها ببدائل عاجلة، مثل لجان تنسيقية مع وزارة العمل، ومطالبة مجلس الغرف السعودية بحلّ لجنة الاستقدام الوطنية، مضيفاً: «طلبنا بحلّ لجنة الاستقدام يعود إلى أسباب عدة، منها أنها لا تجتمع إلا نادراً في أصعب فترة بتاريخ الاستقدام، وكل النتائج غير مرضية، وليست فعالة ومخيبة للآمال، بعد أن تسببوا برفع الأسعار وطالت مدة الاستقدام عن الحد المعقول، وعدم وصول صوتنا للجهات الرسمية». وأكد أن دخول الشركات خلق تضارباً في تقديم الخدمة للمواطنين، إذ تقدم الشركات الخدمة بأسعار خيالية، وبالتالي لم يستفد منها صاحب العمل بالشكل المطلوب، مؤكداً أن الشركات بوضعها الراهن لن تنجح، كونها تبحث عن أرباح خيالية وسريعة، ومن يرغب استئجار عامل مدة شهر، يتم إجباره على ثلاثة أشهر. وتابع: «نريد تخصيص تأجير العمالة المنزلية لمكاتب الاستقدام، على أن تقدم شركات الاستقدام خدمات تأجير العمالة المهنية فقط للمؤسسات والشركات، وبالتالي سينخفض السعر، لأن المنافسة بين 350 مكتب استقدام ليست مثل 21 شركة تحتكر السوق». الاستفادة من تجارب دول مجاورة ورأى المستثمر والمدير التنفيذي لإحدى مجموعات الاستقدام فهد العنيق أن الشركات تقع في الوقت الراهن في مشكلات مع العمالة التي يصيبها سوء فهم، إذ يتم التعاقد مع العامل على أنه عامل لدى شركة بأوقات محددة، ثم يفاجأ بأنه يعمل لدى شركة تؤجره للمنازل، مضيفاً: «نطالب بإلغاء الازدواجية، فكل أعضاء الشركات لديهم مكاتب استقدام، وهذه ازدواجية في النشاط ومخالفة للنظام». وعبّر العنيق عن أمله بأن تنتقل التجربة الناجحة إلى بعض الدول المجاورة للسوق السعودية في إدارة ملفات الاستقدام، مبيناً أن تلك الدول استطاعت فرض شروطها على رغم أن حجم القطاع لديها لا يشكل 20 في المئة من حجم السوق السعودية، مضيفاً: «نستقدم العاملة السيريلانكية بكلفة تصل إلى 25 ألف ريال، بينما في الكويت لا تتجاوز 10 آلاف ريال، والمشكلة لدينا أن أنظمتنا مليئة بالثغرات التي استغلها الأجانب، من جهة الشروط المفروضة علينا، وإلزام المكاتب بتعويضات للعمالة، فهم يفاوضون بشكل مباشر وبسرعة، ولديهم أنظمة وقوانين واضحة، وسبق أن فرضت بعض الدول عليهم رسوماً أو مبالغ تأمين عالية ولكن لحزم المفاوض وقوة اللجان في تلك الدول يتم إلغاء أي رسوم وتتم الاستجابة لهم، ولكن لدينا كل جهة تفاوض بشكل منفرد، والمفترض في التفاوض مع جهات أجنبية أن تجتمع كل الجهات ذات الاختصاص». التبرؤ من رفع الأسعار وعن الشكوى المستمرة من المستهلكين في شأن ارتفاع الأسعار والتأخير، تبرأ المستثمرون من أن يكونوا طرفاً أو سبباً في هذه المشكلة، موضحين أنهم رفعوا للجهات المختصة مذكرات تتضمن أسباب المشكلة، ومنها ما هو مترتب على عدم العدالة في التعامل مع الدول المصدرة للعمالة، وتتمثل في عدم المعاملة بالمثل في الأنظمة والإجراءات التي تعامل بها مكاتب الاستقدام الأهلية السعودية مع نظيرتها المصدرة للعمالة من حكومتها وممثلياتها، وذلك من خلال إلزام المكاتب السعودية في التعامل مع مكتبين في الدولة المصدرة للعمالة فقط، بينما المكتب الأجنبي يحق له التعاقد مع عدد مفتوح من المكاتب السعودية. وأشاروا إلى إلزام المكتب السعودي بعمل عقد ملزم مع طلب العمل لمصلحة المكتب الفيليبيني بالقوانين والأنظمة في بلد العامل، وفي حال إقفال المكتب في البلد المصدر لأي سبب يكون المكتب السعودي هو المتورط الأول. وأضاف المستثمرون أن الجزء الآخر من المشكلة يتمثل في القضايا الإجرائية من طرف الوزارة والقنصليات والسفارات، وتتمثل في عدم رغبة قنصليات وسفارات الدول المصدرة للعمالة في اتباع الأنظمة وحل المشكلات، إضافة إلى إيقاف مكاتب الاستقدام السعودية نتيجة للخلافات العمالية ما بين المستقدم وصاحب المكتب أو إيقاف المكاتب الفيليبينية نتيجة للخلاف ما بين المستقدمين وجهات التوظيف إن كانت سعودية أو غيرها. ورفع عدد من المستثمرين في قطاع الاستقدام أخيراً ملفاً لهيئة مكافحة الفساد (نزاهة) ضد اللجنة الوطنية للاستقدام لمراجعة ملفاتها المالية وأدائها خلال الأعوام الماضية، مع مطالبتهم بفحص عدد من البيانات التي قدموها للهيئة. وحمل ملف المستثمرين لهيئة مكافحة الفساد مطالبة مقدميه بالتدقيق في ما قدموه من مبالغ تعتبر اشتراكات تدخل لحساب اللجنة بحسب ما فرضته اللجنة نفسها من دون وجه حق ومن دون الرجوع للجهات المخولة بفرض الرسوم، وأوجه صرفها، وبعض الآليات التي اتخذتها اللجنة مخالفة للنظام في المملكة - بحسب زعمهم – مطالبين بفرض القوانين وإبطال ما اتخذته اللجنة من أنظمة مخالفة. كما طالب أصحاب مكاتب الاستقدام الأهلية في خطاب حديث لرئيس مجلس الغرف السعودية باختيار أعضاء جدد للجنة، بعد ما وصفوه ب«حل»ّ اللجنة الوطنية للاستقدام برئيسها وكامل أعضائها، وذلك لحاجة القطاع إلى فريق جديد يتولى مهمات اللجنة وتسيير أمور النشاط، واختيار عدد من أعضاء اللجان الفرعية للإشراف على أمور النشاط بصفة موقتة. ودخل رئيس اللجنة السابق وبعض المستثمرين بشكاوى متبادلة للجهات القضائية، وتحتفظ «الحياة» بنسخ من قضايا عدة متبادلة بين الطرفين، وغالبيتها تحمل جوانب شخصية، كما أعلن رئيس اللجنة السابق رفع مزيد من القضايا على زملاء آخرين من مكاتب منافسة وعلى كتاب ومغردين في وسائل التواصل الاجتماعي بسبب الحملة التي حدثت أخيراً.