تنتهي السنة في ألمانيا بتفاؤل ملموس بعدما تمكن اقتصادها من تجاوز «الأزمة الأسوأ» في تاريخه الحديث الممتد على مدى ستة عقود. وفيما كان الاقتصاد العالمي يقف قبل سنة بالتحديد على حافة الهاوية، والنظام المالي الدولي يواجه خطر التحطم، أثمر التحرك السريع للكثير من الدول، المتمثِّل بضخ مئات البلايين في الأسواق لوقف المرحلة الثانية القاتلة من الركود العالمي، نجاحاً لم يكن مضمون النتائج. وهو نجاح لا يزال عوده الطري يواجه الكثير من التحديات، وربما الانتكاسات، إذ أن خبراء كثراً ينتظرون تعافيا اقتصادياً بطيئاً في الدول الاقتصادية الكبيرة يستمر سنوات. وفي ألمانيا التي ضربتها تداعيات الأزمة العالمية والداخلية بقوة حيث شلَّ الركود الأشهر الأولى من السنة الحالية، أثمرت التدابير المالية التي اتخذتها الحكومة وتمثَّلت في تفعيل برامج الإنقاذ ودعم النمو، تنشيطاً سريعاً للقوى الإنتاجية والعاملة فيها، ما عجّل ظهور مؤشرات اقتصادية إيجابية في وقت عمَّ التشاؤم والتوقع بدخول نفق مظلم طويل. وبعد فترة تشكيك ببوادر تعافٍ ظهرت هنا وهناك خلال الأشهر الماضية، تراجعت معاهد البحوث الاقتصادية، استناداً إلى دراسات واستطلاعات وبيانات خاصة ورسمية، شيئاً فشيئاً عن توقعاتها المتشائمة السابقة. وعلى رغم أن قسماً من الخبراء لا يزال على مخاوفه، فإن أكثريتهم، ومعها أيضاً رجال الأعمال، أصبحت تنظر بتفاؤل أكبر إلى المستقبل. وبعد «تقرير الخريف» الذي نشره مديرو ستة معاهد بحوث ألمانية الشهر الماضي، أظهر «مؤشر إيفو» المهم الذي يصدره معهد بحوث الاقتصاد في ميونيخ شهرياً، ويعتبر أهم مؤشر في البلاد، أن أجواء غالبية مسؤولي الشركات ال 7000 الذين يستطلعهم دورياً، تتجه إلى مزيد من التحسن. ونقلت النشرة الاقتصادية الشهرية الصادرة عن غرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية (الغرفة) عن المعهد المذكور، أن أجواء مسؤولي الشركات الألمانية جيدة في الشهر الأخير من السنة، وأن مستواها يعادل المستوى الذي رست عليه قبل تفجّر الأزمة الاقتصادية الدولية. وارتفع المؤشر بصورة مفاجئة إلى 93،5 نقطة، وهو أعلى مستوى منذ آب (أغسطس) 2008. وللتذكير، أعلن بنك «ليمان براذرز» الأميركي إفلاسه قبل شهر واحد من ذلك التاريخ، فاتحاً بذلك أقسى مرحلة ركود عرفها العالم منذ ثلاثينات القرن الماضي. وخرج رئيس معهد «إيفو» هانس فرنر زن باستنتاج معبِّر من نتائج الاستطلاع، مفاده «أن الاقتصاد الألماني يواصل خروجه من الأزمة». وقدَّرت الشركات الألمانية وضعها للأشهر الستة المقبلة بتفاؤل أيضاً بعد أن أوضحت أن الطلب عليها «يستمر في الارتفاع» للشهر السابع على التوالي. وعلَّق بالقول إن الانتعاش المتسارع حالياً يطاول الصناعة الألمانية المعتمدة على التصدير بصورة خاصة بعد التراجع المريع الذي أصابها بداية السنة. ومثل الكثيرين غيره حذَّر زن من تنامي أزمة الاقتراض من المصارف على الشركات، ومن تراجع الاستهلاك الخاص العام المقبل بفعل ازدياد البطالة. وبدوره حذَّر كبير خبراء النمو في معهد الاقتصاد العالمي في مدينة كيل يواخيم شايده، من أن يؤدي ضمور الاستهلاك إلى تعرض الانتعاش المنتظر إلى انتكاسة. وأفاد البنك المركزي الألماني مطلع الشهر الجاري «بأن آفاق النمو في البلاد تحسَّنت بصورة ملحوظة» علماً أن رئيسه أكسل فيبر كان حتى وقت قصير كثير التشاؤم. وقال خبراؤه في تقديراتهم الأخيرة للعامين المقبلين انهم ينتظرون معدل نمو أعلى من توقعاتهم السابقة. وسيحقق عام 2010 المقبل نمواً من 1،6 في المئة وعام 2011 نمواً من 1،2 في المئة، فيما ينخفض النمو السلبي هذه السنة من 6.2 في المئة إلى 4،9. وذكروا في تقريرهم الصادر أن التحسن في مجمل النشاطات الاقتصادية في ألمانيا «يسير بوتيرة أسرع مما كان مرجّحاً في حزيران (يونيو) الماضي». وعلى رغم استمرار حركة الصعود والهبوط ل «مؤشر داكس» في بورصة فرانكفورت خلال كل الفترة الماضية، يتضح أن مسيرته إلى الأعلى لا تواجه حالياً مطبات حادَّة مماثلة للعامين الماضيين. بل صدقت التوقعات الأخيرة للكثير من خبراء المال برؤيته يخترق الحاجز النفسي المقدَّر ب 6000 نقطة قبل نهاية السنة الحالية للمرة الأولى منذ أيلول (سبتمبر) 2008، ما حصل فعلاً مطلع الأسبوع الجاري مقفلاً عند 6002 نقطة بعد وصوله خلال التداول إلى 6011 نقطة.