يواجه المثقف المصري تحديات على أعتاب السنة الجديدة ليست منفصلة عن تلك التي عاشها في السنوات الأخيرة، فحرية الرأي والإبداع والتعبير لا تزال «مهددة»، والإبداع بحد ذاته يتعرض لنوع من «التراجع» على رغم حال الازدهار التي يعيشها بعض الأنواع الأدبية. ولا تزال العلاقة بين المثقف والسلطة «ملتبسة» وتسمح للأخيرة بازدراء الأول، أو استخدامه في مناخ حافل بشتى أنواع الاستقطاب. في شأن رؤيته للتحديات القائمة يقول مدير المركز القومي للترجمة الناقد جابر عصفور: «أتصور أن موضوع الهوية الثقافية هو الموضوع الذي يقع على رأس أولوياتي، لأنها تتعرض لتحديات شتى إزاء العولمة وذوبان الهويات، وفي المقابل هناك تحديات أخرى ترتبط بازدياد التطرف الديني وتراجع قيم التعدد والتسامح بما يؤثر في مفهوم المواطنة، إذ بات هناك من يقدم العقيدة الدينية على الوطن». ويشير عصفور إلى قضية «التصنيع الثقافي»، إذ تتعرض الثقافة المصرية بحسب رؤيته لتحديات جديدة وإيجابية في آن، وهي ناشئة من دخول رأس المال الخاص الى الثقافة، فضلاً عن تقدم حضور المجتمع المدني الأهلي والمؤسسات الثقافية العاملة في الثقافة، وهي مؤسسات تمد القطاع الرسمي ب «دماء جديدة» وخيال مختلف يضع المؤسسات الرسمية في تحدّ يتطلب منها تطوير آليات العمل البيروقراطي. ويحدد عصفور مجموعة من المؤشرات التي ينبغي أن تضعها المؤسسات الرسمية على رأس الأولويات، ومنها ضعف حضور المكتبة إلى جانب عدم القدرة على شراء الكتاب وعجز المؤسسات الرسمية عن توزيعه، على رغم الدعم الموجه له. الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة عماد أبو غازي يشير إلى أن التحدي الرئيسي الذي يرسم رؤيته للعمل الثقافي هو وأعضاء المجلس، يرتبط أساساً بالسياسة التي يمكن وضعها لمواجهة القوى الأصولية التي تتبنى دعاوى مصادرة الإبداع بدلاً من نقده وتقديم رؤى مضادة للرؤى التي يختلفون معها. ويلفت أبو غازي إلى أن اللجنتين الجديدتين اللتين وافق المجلس الأعلى للثقافة أخيراً على تأسيسهما، وهما «لجنة البيئة»، ولجنة «المواطنة وحقوق الإنسان»، من شأنهما المساعدة في نشر قيم ثقافية جديدة في مصر. ويرى أبو غازي أن «مؤتمر المثقفين» الذي يتوقع عقده قريباً، سيساهم في مواجهة التحديات التي تجابه الثقافة المصرية، مشيراً إلى أن وزير الثقافة فاروق حسني قرر تشكيل لجنة من 13 عضواً، بينهم صلاح عيسى وأحمد عبد المعطي حجازي ومصطفى الفقي والسيد ياسين وإسماعيل سراج الدين، لبلورة تصورات واقتراحات في شأن جدول أعمال المؤتمر. ومن جانبه كشف عصفور، المكلف الإشراف على المؤتمر، أن لجنة الإعداد للمؤتمر ستجتمع اكثر من مرة قبل الوصول إلى برنامج نهائي بهدف وضع تصور متكامل وغير متعجل يرسم السياسة الثقافية في المرحلة المقبلة. لكن صاحب كتاب «نقد ثقافة التخلف»، يوضح أن الرؤى الأولية وضعت للنقاشات مسارات أساسية تستهدف معالجة قضايا عدة من أبرزها: «هوية مصر في اللحظة الراهنة / العلاقة بين الثقافة المصرية والعربية، دور المجتمع المدني ومخاطر العولمة، والعلاقة بين وزارة الثقافة والوزارات المعنية بالتربية والتعليم والإعلام، وثقافة الدولة المدنية، وآليات مواجهة التطرف الديني، والبنية التحتية والتصنيع الثقافي». أما الشاعر عبد المنعم رمضان فلا يخفي رغبته في أن يمتنع المثقفون المصريون عن المشاركة في المؤتمر، لافتاً إلى أن فكرته «نبيلة» لكن الهدف منها هو «المبايعة»، أي التورط في عدم الاستقلال عن المؤسسة الثقافية. ولاحظ رمضان أن أعضاء لجنة الإعداد للمؤتمر «عملوا طويلاً مع المؤسسة بحيث لم تعد لديهم أوراق غير محروقة». ويعتقد رمضان أن التحدي الأبرز الذي يواجه المثقف المصري يرتبط بالعلاقة الشائكة بين «المثقف والسلطة»، إذ لم يعد المثقف قادراً على تحقيق أي استقلال حقيقي عن المؤسسة الثقافية. ويضيف: «لا أعني بذلك الطعن في المؤسسة، لأنها ليست خيراً كاملاً ولا شراً كاملاً، وإنما هدفي هو دفع المثقف المتعامل معها لإيجاد مسافة تسمح له بالاستقلال بحيث يتوقف عن ملاصقة الدولة واللهاث وراء منافعها». ويرى رمضان أن السؤال الذي تنبغي الإجابة عليه هو كيف يمكن للمثقف أن يضبط هذه المسافة بينه وبين المؤسسة. وعلى رغم انشغال رمضان بتأمل هذه المسافة، إلا أنه لا يهمل تأملات أخرى ترتبط بحال الإبداع المصري الذي يراه مهدداً على رغم كل شيء، ويقول: «المبدع المصري لا يجد مطبوعة أدبية محترمة تنشر إبداعه ما عدا «أخبار الأدب» التي تحتاج «دعماً أكبر لتؤدي دوراً أكبر». ويتابع: «شاعر مثلي لا يجد دار نشر محترمة تنشر أعماله، الأمر الذي يضعني بين خيارين، إما أن أنشر على نفقتي في دار صغيرة، أو ألجأ إلى دور نشر حكومية تموت فيها الكتب موتاً حقيقياً». ويوضح رمضان أن كل ما يقال عن الطفرة في مجال النشر والتوزيع هي «طفرة كاذبة». الروائي مكاوي سعيد صاحب رواية «تغريدة البجعة» يرى أن السنوات الأخيرة أظهرت حيوية في المشهد الثقافي المصري ودفعت الى حقل الإبداع أسماء جديدة ينبغي البحث عن فضاءات لتقديمها وتسليط الضوء عليها لا سيما أن معظمها جاء من قطاعات أهلية هي الأنشط في الأعوام الأخيرة ومن ثم فالأفضل من وجهة نظره اقامة حالة من حالات الحوار بين القنوات الرسمية وفضاءات المجتمع المدني في قطاعاته المختلفة لإيجاد ميزات تنافسية تنعكس على الثقافة المصرية في مختلف تجلياتها. ويعتقد الروائي إبراهيم عبد المجيد أن التحدي الحقيقي الذي تعيشه الثقافة المصرية مصدره «العزلة» التي يعيشها الشارع المصري الذي استولت عليه القوى الأصولية وحصرت اولوياته في المظاهر من دون أن تصل إلى جوهر ممارساته في الحياة اليومية. ويرى صاحب «لا أحد ينام في الإسكندرية» أن المصري البسيط لم يعد مهتماً بالحياة في معناها الحيوي لأنه ينخرط في هموم يومية تحول دون مساهمته في أي فعل من شأنه تحقيق نهضة حقيقية وعلى هذا الأساس يمكن أن نفهم الحصار الذي تعيشه الأحزاب السياسية وكل حركات التغيير التي تسعى إلى إشراك المواطن بينما هو منفصل عنها تماماً.